أتذكر دعاية تلفزيونية قديمة للبنك الوطني عن صندوق “زينة” وحساب التوفير، تتحدث كيف أن الصغيرة زينة تكبر وحسابها يكبر معها حتى “يصير عندها مال كتير كتير” مثلما يقول منولوج الإعلان. لو نسجنا خيالاً بأن الطفلة زينة هي نموذج أفلاطوني لأطفال دولنا الخليجية، وأن حسابات التوفير “كانت” موجودة بشكل محافظ وصناديق استثمارية بالخارج قام “آباؤنا” وهم أهل السلطة، وهم بالمناسبة حالهم من حال بقية الأنظمة العربية “البطركية” بمعنى وصاية أبوية مطلقة على الشعوب، بإنشاء حسابات التوفير (الصناديق الاستثمارية) بالسابق وبأيام العز النفطي لضمان مستقبل الدولة الاقتصادي، أو، بكلام حالم، أنشأت تلك الحسابات السيادية لضمان مستقبل أطفالنا من نموذج “زينة”، وليس طبعاً لضمان، فقط، أمن النظام السياسي، فماذا حدث اليوم، ويحدث الآن، أكتبها بصيغة الاستمرار، عن مستقبل الأطفال “زينات” مع حسابات التوفير السيادية، التي يفترض أنها القرش الأبيض لليوم الأسود، وأنها وثيقة التأمين الوجودية لهم!
بعد تهاوي أسعار النفط في السنة الماضية، أخذت وسائل الإعلام الأجنبية بنشر أخبار وتحقيقات عدة عن تسييل متواصل لحسابات تلك الصناديق في الخارج، هذا التسييل يبدو ضرورة لابد منها، ولا يمكن استثناء أي دولة من أحكامه القاسية، فنشرة بلومبيرغ تذكر بالخط العريض من “أوسلو للدوحة ومن الرياض لموسكو” يتم الآن الصرف والتسييل لتلك الصناديق لتغطية عجوزات الميزانية نتيجة سقوط أسعار النفط لأكثر من النصف، كانت قيمة صناديق “زينات” حوالي 7.3 تريليونات دولار وأكبرها صندوق النرويج حسب الخبر.
هذا التسييل الشامل، إذا تركنا حالة النرويج التي لا تعاني المرض الريعي، أي الاعتماد شبه الكامل على بيع سلعة النفط الوحيدة، وتركنا كذلك وضع الأشقاء بدول الخليج، لأن قوانين المطبوعات والجزاء وغيرها من مشروعات القوانين القادمة على دروب الحرية تملي مثل هذا المنع، يبقى أن نتحدث عن ديرة “السنع… هذي الكويت صل على النبي”…! هي بالتأكيد تسيل الآن من صناديقها، وإلا كيف تمول عجز الميزانية، وتنفق على رواتبنا وبقية “الخدمات الرفيعة المستوى” من صحة وتعليم وسكن وشوارع فاضية… إلى آخره؟… طبعاً الإنفاق “المستتر” المسمى “غول الفساد” لا مكان للحديث عنه لأن إجابة السلطة المعلبة ستقول لا يوجد لدينا مثل هذا الإنفاق الفاسد، وإذا عندك “هات الدليل”… وقدمه للمحكمة…! إذن، لنصمت.
السؤال، الذي يطرح نفسه الآن، وكأن الأسئلة حقيقة تطرح نفسها وليس العقل الوجودي الواعي والقلق من المستقبل، والمستقبل أصبح حاضراً الآن، أكرر ماذا بعد صندوق زينة، ماذا بعد تسييل كل صناديق زينات، وأسعار النفط ظلت على حالها، ما العمل…؟
كنا نتصور أن اليوم الأسود، سيكون هو نهاية عصر النفط وزوال أحلامنا وأوهامنا معه، لكن أن نبدأ الآن تسييل أموال الصناديق، دون العمل بإصلاح جدي وحقيقي للمسارين الاقتصادي والسياسي معاً ومواجهة الناس بحقائق الأوضاع الاقتصادية ومستقبلها المجهول بشفافية، لكن تصورنا أضحى “فالصو”، فمازالت إدارة الدولة بحكومتها ومجلسها حامل الأختام الملكية على “حطة ايدكم” الأمور على حالها لا تغيير ولا تبديل ولا إصلاح ولا أي كلام آخر تفرضه ظروف الواقع الصعب الآن، رغم أن زينة كبرت وعجزت، ولم تعد “زينة” الصغيرة الجميلة، أضحت “زينات صدقي” ككومبارس مضحك لفيلم مصري قديم، وشر البلية ما يضحك، فماذا نفعل الآن، نضحك أم نلطم؟