يذكر المؤرخ اليوناني القديم “ثويوسايدس” أنه بعد استسلام “البلاتينيين” لـ”الإسبارطيين”، الذين أحكموا الحصار عليهم في حروب المدن الإغريقية، اشترط المستسلمون البلاتينيون محاكمة عادلة لهم من الإسبارطيين.
في المحاكمة كان الإسبارطيون يسألون كل متهم “هل ساعدت أياً منا أثناء الحرب أو الحصار؟”، وكانت إجابة المتهمين النفي بطبيعة الحال، فيتم إعدامهم حالاً بعد المحاكمة، هكذا كانت تجري الأمور، في مثل تلك المحاكمات التي يمكن أن يُضرَب بها المثل لـ”لعدالة” المنتصرين، التي يتم عبرها تضمين حكم الإدانة مسبقاً بقرار الاتهام ذاته، مع غياب كامل لمبدأ الحياد في القضاء.
أتذكر، الآن، قراءة مثل تلك المحاكمات الصورية، متمثلاً بواقع القضاء في معظم الدول العربية وغيرها من دول نامية، وحتى بعض الدول المتقدمة، التي لم تعرف معنى حكم القانون، ولا يوجد بها، واقعياً، استقلال حقيقي للقضاء رغم ما تنص عليه “نظريا” دساتيرها الورقية، أو عندما تتدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية ويتم عزل القضاة وطردهم حين يخرجون عن طوعها، مثلما فعل الرئيس يلتسين بروسيا مع قضاة المحكمة الدستورية، وحتى في بعض الدول الديمقراطية الليبرالية، التي تحترم حكم القاعدة القانونية، بما يعني مساواة الأفراد ومؤسسات الدولة أمام القضاء.
وقد يحدث مرات كثيرة، أن يتأثر القضاء بالرأي العام، الذي قد يميل أحياناً نحو تأكيد استقلال القضاء وتحقيق تقدمه في قضايا حقوق وحريات الإنسان في أكثر الأحيان، مثلما يخبرنا توجه المحكمة العليا الأميركية في عدم شرعية قوانين الإعدام عند عدد من الولايات الأميركية، أو حين أجازت زواج المثليين، وقد يكون عكس ذلك أحياناً، كما حدث تاريخياً، حين صمتت تلك المحكمة عن احتجاز آلاف اليابانيين الأميركيين في معسكرات الاعتقال دون تهمة أثناء الحرب العالمية الثانية، أو لا يكون رأيها حاسماً كما هو حادث في السنوات الأخيرة مع معتقلي غوانتنامو.
ما يغث هذا الوقت، هنا بالكويت، هي تلك المحاكمات الشعبية التي تجري، عندنا في مواقع التواصل الاجتماعي بقضية خلية العبدلي أو “حزب الله” أو التخابر مع إيران، أياً كان وصف التهم إعلامياً، فمن المؤكد أن أوراق تلك القضية أمام المحكمة الآن، وهي التي من المفترض أن تقرأ الأدلة بحياد وتجرد، وتصدر قراراتها وأحكامها كما تُظهِر لها الأوراق.
هذا “المفروض” وهذا ما تمليه قواعد العدالة، لكن ما يحدث الآن، للأسف، غير ذلك، ليس داخل غرف المحاكم بل خارجها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تم إصدار أحكام الإدانة المسبقة من الكثيرين ليس ضد المتهمين بالقضية، بل أحياناً، ضد شيعة الكويت كلهم، عبر التساؤل الاتهامي الساذج الذي يوجه إلى عدد من الرموز أو الناشطين من الشيعة بعبارة مثل “ما هو رأيك بالقضية، ولماذا لم توجه الاتهام ضد إيران، وما هي حقيقة مشاعرك في القضية؟!…”.
أو يتم طرح تساؤل مريب ينضح بالطائفية الكريهة مثل لماذا أفرجت المحكمة مؤقتاً عن بعض المتهمين في قضية العبدلي أو “حزب الله”، بينما جددت الحبس لمتهمين آخرين في قضية “داعش” وتفجير مسجد الإمام الصادق؟! ويمضي القضاة الشعبويون في محاكماتهم الموازية للمحاكمة الأصلية، كأن الجميع أصبحوا قضاة، وأن الكثير من شيعة الكويت هم محل شبهات في وطنيتهم وولائهم للدولة!
ليس هذا مكان الثرثرة عن الوحدة الوطنية، أو الدعوة إلى تكميم أفواه ومشاعر الناس في التحدث في هذه القضية أو أي قضية أخرى تهم أمن الدولة، فحق البشر في التعبير هو مسألة محسومة في دولة تنحو الآن إلى إخراس أي صوت مخالف لرأي السلطة، ولكن يتعين الآن أن نفرق بين “الفضفضة” التعبيرية البريئة، وبين التعبير عن مشاعر الشك والطعن في ولاء مواطنين كويتيين نختلف معهم مذهبياً فقط، ولا نختلف معهم في الانتماء للوطن، فمثل ذلك الطرح الاتهامي يعبر عن عدم نضج وطني ومراهقة سياسية لا تخدم أوضاع الدولة والتحديات الخطيرة التي تحيط بالكويت وكل المنطقة الخليجية دون استثناء، فلنتعقل قليلاً في خطابنا العام، فلا نريد أن نتمثل دور أهل إسبارطة في محاكماتهم الظالمة.
كم انت رائع يا استاذ حسن، بحثت وبحثت مثيرا عن صوت جرئ في الجرايد كلها وصوت يناصر الحيادية في القضية والتهم التي نسبت سريعا ليس لفئة قليلة بل طائفة كاملة..!! احسنت وجزاك الله كل الخير وانت الذي يسمونك علماني اشرف من مليون متعصب غبي من المذهبين، يا ليت كان في من استاذ حسن مليون عربي لكننا بخير