أشارك اليوم وغداً في مؤتمر دولي حول العلاقات العربية- اللاتينية، والذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية التابع للخارجية السعودية ومديره النشيط د. عبدالكريم الدخيل.
تتكون أميركا اللاتينية من ٢١ دولة، على مساحة تتجاوز ١٩ مليون كيلومتر مربع، أي ١٣٪ من الأرض، ويزيد عدد سكانها على ٦٠٠ مليون إنسان، ينحدرون من أعراق مختلفة، لغاتهم “الرومانس” الإسبانية ثم البرتغالية ثم الفرنسية، وهي ذات خلفية استعمارية.
ازداد اهتمامي بأميركا اللاتينية، حين كنت أعد دراسة عن تاريخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة ١٩٤٨، ونشرتها منذ سنوات بعنوان “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هل كان صناعة غربية؟”… كان لافتاً الدور المحوري لدول من أميركا اللاتينية، وكان أكثرها نشاطاً هو أصغرها حجماً، بنما وكوبا وتشيلي. كانت مساهمة أميركا اللاتينية في صياغة الإعلان والمداولات والنقاش تتجاوز أي مساهمة إقليمية أخرى، وكانت المسودة الأميركية اللاتينية التي اعتمد عليها العالم لإصدار الإعلان انطلاقاً على ما كان يعرف حينئذٍ باسم الديمقراطية الاجتماعية.
حكاية دول أميركا اللاتينية مع الاستقلال والتحرر بدأت من هاييتي وثورة العبيد، ومن ثم استقلالها عام ١٨٠٤، وما تبعها في أغلب دول الإقليم، وحتى ١٨٢٣، وبالتالي قابليتها للتطور السياسي، حتى شكلت منظمة الدول الأميركية على أسس ديمقراطية، بل نجد بعضها قد سبق الولايات المتحدة في الديمقراطية، والتي ظلت تعاني التمييز والعنصرية حتى ستينيات القرن الماضي.
من الملاحظ أيضاً أنه لم تقم في أميركا اللاتينية أبداً حرب كبرى، ولا توجد فيها حروب مستمرة كما لدينا، نقتل فيها بعضنا، ثم نتحدث عن وحدتنا العربية والإسلامية، بل إن الدولة التي ألغت جيشها بشكل نهائي في العالم، وهي كوستاريكا، موجودة هناك.
تعرضت أميركا اللاتينية خلال حقبة الحرب الباردة لمتغيرات سياسية، جعلت أغلب دولها وبضغوط الولايات المتحدة، تتجه نحو الأنظمة العسكرية القاسية، فما إن انتهت تلك الحقبة حتى عادت تلك الدول إلى نمطها الديمقراطي والمشاركة السياسية.
هناك الكثير مما يمكن أن يقال في تجربة أميركا اللاتينية التي قد تكون مفيدة لنا في زمن الحروب العبثية، فلنتواضع قليلاً ولنتعلم من غيرنا، وما أحوجنا لأن نتعلم كيف نتعايش.