تعود قضية الشهادات المضروبة إلى السطح، ولكن هذه المرة عبر بوابة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، حيث تم تشكيل لجنة لمتابعة وفحص الشهادات العليا التي حصل عليها بعض الموظفين والأكاديميين في الهيئة، وترقوا على إثرها في مناصب قيادية عليا على حساب نظرائهم إخلالاً بمبدأ العدالة والإنصاف، إذ تحوم الشكوك على صحة هذه الشهادات وافتقادها أبسط المعايير العلمية والأكاديمية، وبالتأكيد فإن لجنة التحقيق في التطبيقي ستفتح الباب أمام مؤسسات أخرى في الدولة تعاني الداء نفسه، وكالعادة فإن التراشق الكلامي وحرب الإنترنت والاتهامات المتقابلة في هذه القضية كغيرها من قضايا المجتمع تأخذ أبعاداً عميقة في بعدها السياسي والشخصي على حساب الموضوعية العلمية وتشخيص مكمن المشكلة وأسبابها والتعامل مع تبعاتها.
بالتأكيد ليست الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب هي الجهة الوحيدة في الدولة التي تم اختراقها، ليس بالشهادات المزورة فقط وعديمة الوجود أصلاً، بل إنه تم صرف مبالغ هائلة لبعض حملتها كرسوم دراسية ومخصصات مالية وبدلات عمل، واليوم مناصب قيادية تحت غطاء بعثات معتمدة على حساب الدولة، ولكن هيئة التطبيقي تبقى جهة مهمة ومنبعاً رئيساً للتعليم والتدريب وتهيئة شباب الكويت وشاباتها للالتحاق بسوق العمل في القطاعات الحرفية والمهنية، ولذا فإن افتقار الكادر التدريسي والتدريبي لأبسط المعايير العلمية والكفاءة الوظيفية هو نذير شؤم لمخرجات هذه المؤسسة الكبيرة وكارثة بحق سوق العمل، علماً أن المخرجات هي أساساً في غاية الضعف والارتباك!
لذلك فإن انتفاضة إدارة الهيئة وبدعم مباشر من وزير التعليم العالي لاقتحام هذا الملف يعد عملاً وطنياً، وشجاعة تستحق المساندة والتأييد لأن موجة الاعتراضات والتأليب السياسي لهذا الموضوع سيكونان أيضاً عاليين بقدر الألم المنتظر لأصحاب الشهادات المضروبة.
إن ما تعانيه الهيئة اليوم مؤشر مهم ذو اتجاهين، يعكس أولهما حجم التقاعس الحكومي وجهات الابتعاث فيما يخص متابعة الشأن التعليمي ومقدار الفساد المتفشي في مختلف الأجهزة والهيئات الرسمية، في حين يعكس المؤشر الآخر حجم مأساة الشهادات المضروبة على مستوى البلد إذا أخذنا بعين الاعتبار بقية الوزارات ودرجات التعليم الجامعي على مستوى البكالوريوس والماجستير وعشرات الآلاف من الحالات التي حصلت على مثل هذه الشهادات على حسابها الخاص!
التعليم لا شك أنه مهمة مقدسة يحرص عليها الدين والمنطق الإنساني وضرورات التنمية المستدامة في أي مجتمع، والتعليم الذاتي لا يقل أهمية عن ذلك، فالمواطن حر في اختيار التعليم الذي يناسبه ويلبي طموحه الشخصي، وجودة التعليم وأمانة التحصيل الدراسي قضيتان تخصان الإنسان نفسه وضميره، ولكن المشكلة في الكويت أن الشهادة هي أحد متطلبات العمل الحكومي والتدرج في سلّمه، وكثير من الناس يفكر بدراسته وتخصصه على مزاجه الخاص، وهذا حق شخصي ودستوري لا ينازعه عليه أحد، لكن أن يفرض شهادته ومنصبه رغماً عن الدولة ومن فيها فهذا أمر مرفوض، خصوصاً إن كانت هذه الشهادة مجرد وهم وأداة من أدوات الحيلة التي لا يحلو اللعب بها مع الأسف إلا في الكويت!