تعني الكارما Karma، في الهندوسية والقناعة البوذية، أن ما يقوم به الإنسان في حياته الحالية، أو ما قام به في حياته السابقة، قبل تقمّص روحه لجسد آخر، يحدد مصيره مستقبلاً، فإن فعل خيراً، خيراً يرى، وإن فعل شراً، شراً يجد!
غني عن القول عدم إيماني بهذه الأمور، مع المعذرة لمن يؤمن بها، ولكني أؤمن حتماً بأن فعل الخير سينعكس بشكل عام على حياتنا الحاضرة، وسيصل لنا أثره بطريقة أو بأخرى.
تقول القصة الحقيقية إن ليلى، التي تعمل في مصنع لحوم ضخم، أرادت يوماً التأكد من كمية اللحوم في أحد فريزرات، أو ثلاجات المصنع، وكان ذلك في اليوم الأخير من الأسبوع. أثناء وجودها في غرفة الفريزر أغلق الباب عليها، وهي في الداخل، وكان براداً قديماً لم توضع فيه طرق الأمان الحديثة مثل بقية البرادات.
انتظرت لساعات، وهي في الداخل، تنادي بأعلى صوتها لعل أحداً يكون قد مر بالقرب من البراد، ولكن لا أحد سمع صوتها. بدأت أطرافها في التجمّد، فقامت بأداء مختلف الحركات الرياضية لإبقاء الدماء سارية في عروقها، ولكنها كانت تدرك أنها ستتجمّد وتموت لا محالة، خاصة أنه سيمر يومان عليها وهي في الداخل قبل ان يقوم أحد ما بفتح الباب، مع بداية الأسبوع. كما أن زوجها ذهب لزيارة والدته، ولن ينتبه أحد بأنها لم تعد من عملها في ذلك المساء.
بعد ساعات، وعندما انتابها اليأس، وأحست أنها ميتة لا محالة، جلست في أحد اركان الفريزر، وسلمت امرها للقدر.
وفجأة سمعت صوت مفاتيح تدور بقفل الباب، وأحد ما يحاول فتح باب الفريزر، قفزت من مكانها، وخرجت فور فتح الباب، للدفء والحياة، ونظرت إلى من أنقذها من موت محقق، فإذا هو الحارس الليلي!
سألته، وهي تلهث من رهبة الموقف وإثارته، كيف عرف أنها في داخل ذلك الفريزر، خاصة وأن ليس من مهامه الكشف عليها أو فتحها، فهو مختص بحراسة الأبواب وامن المبنى، فقال لها وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه: أنا أعمل هنا منذ ثلاثين عاماً، وأرى يومياً عشرات العاملين والعاملات يدخلون ويخرجون من البوابة، ولكنك كنت الوحيدة التي كانت تلقي علي، وابتسامة عريضة ترتسم على وجهك، تحية الصباح، أو تتمنين لي مساء طيباً، كلما التقينا. وكم كانت تحياتك الطيبة وسؤالك عن أحوالي وأسرتي تشعرني بإنسانيتي وأهميتي.
ومساء اليوم بالذات لا أدري لماذا تذكَّرت أنك لم تلق عليّ تحية المساء، وأنني لم أرك تغادرين المصنع، ولسبب ما فكرت في البحث عنك!
* * *
لست بإنسان أفضل من غيري، حتماً، ولكن تعلّمت من الحياة دروساً جيدة، وطالما تمنيت لو كنت أعرفها من قبل، عندما كنت أصغر عمراً، ولكن ما العمل والحكمة لا تأتي، إن أتت، إلا مع التقدم في العمر.
وعليه، علينا أن نعامل الآخرين، ومن أي رتبة أو منزلة أو دين أو مذهب أو أصل كانوا، باحترام، ليس فقط لأن إنسانيتنا تقول ذلك، بل لأن لا أحد يعرف متى سنحتاج إلى هؤلاء!