هل الفيل يطير؟ قصة هذا السؤال عبارة عن نكتة سياسية لها مغزى واسع، حيث كان أستاذ مادة الأحياء يشرح لتلاميذه الفرق بين الحيوان والطير، فقال على سبيل المثال الفيل حيوان، ولهذا فإنه لا يطير، فرد عليه أحد الأطفال نعم يا أستاذ الفيل يطير! فانفعل المدرس غاضباً وقال: من الغبي الذي قال إن الفيل يطير؟! فرد التلميذ أنا سمعت الرئيس يقول إن الفيل يطير! وفي موقف لا يحسد عليه أجاب الأستاذ نعم يا أولادي الفيل يطير، ولكن على ارتفاع منخفض!
جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة ظهر قبل أيام بمظهر ذلك الأستاذ الجبان، وقال ليس على الرئيس السوري أن يرحل فوراً، علماً أن السيد الوزير قد جاب العالم طولاً وعرضاً ولم يدع يداً لم تلطخ بدماء السوريين إلا صافحها ووعدها بأن بشار الأسد سيرحل فوراً ولا مفاوضات أو صفقات معه! والسيد كيري اليوم يتوسل إلى روسيا وإيران لإقناع الأسد بالحضور إلى طاولة المفاوضات!
عالم السياسة قذر بطبيعته، وفي كثير من الأحيان تبرر هذه القذارة بما يسمى بالذكاء أو المصلحة القومية أو فن الممكن، وسورية المسكينة أفضل مثال حديث للقذارة السياسية، فلماذا بعد أن تفتّتت هذه البلاد المسالمة ودمرت عن بكرة أبيها، ووصل شعبها إلى أوروبا وأستراليا كلاجئين سياسيين أي بمعنى مواطنين غربيين في المستقبل، يستغيث الأميركيون بخصومهم من الروس والإيرانيين من أجل الحل السياسي؟
إن الحل السياسي بالتأكيد هو الضمان الوحيد لحفظ ما تبقى من سورية الدولة وسورية الشعب، فالأرض السورية هي ميدان معركة النظام العالمي الجديد، حيث تتنافس القوى الإقليمية والدولة لتعزيز موقعها السياسي ونفوذها الكوني، وسورية باتت نموذجاً لحروب عصر العولمة، فبدلاً من أن تواجه الدول بعضها بعضاً، وتفلت السيطرة على حرب الكبار، وتدخل في أهوال الرعب النووي والدمار الشامل، تتقاتل هذه الدول إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً في دائرة صغيرة من العالم، وتعكس في الوقت نفسه مفهوم الحرب العالمية.
ولأن الجميع بات متيقناً أن الحرب السورية لا يمكن حسمها بسبب توازناتها المعقدة والخطيرة، وأن المستفيد الوحيد من استمرار الحرب هو الجماعات الإرهابية ذات الصبغة الدينية، فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة مضطر للتفكير بعقلانية أكثر، بما في ذلك تقديم التنازلات السياسية حتى لو وضعت نفسها في موقف محرج، وأقرت بأن الفيل يمكن أن يطير!
لعل الخطوة الروسية الأخيرة بالنزول إلى أرض المعركة في سورية بالسلاح والرجال فاجأت الجميع بمن فيهم الأميركيون، ورغم “التحلطم” الأميركي في بداية الأمر، فإن الدبلوماسية الأميركية وقعت في مأزق حرج، فهي تقود تحالفاً أممياً منذ أكثر من عام لمحاربة “داعش” وأضراب “داعش”، لكنها في الوقت نفسه ترفض أن يقاتل الروس الدواعش مباشرة، ولهذا فإن الخيار الأميركي ولو كان مراً فإنه يقضي بالتعاون مع موسكو لا مواجهتها.
بغض النظر عن السياسات الغربية وتقلباتها وتناقضاتها، فالسؤال لماذا بلادنا العربية هي دائماً حقل التجارب؟ ولماذا عندما تفشل التجربة ينسحب منها المجربون دون حياء أو خجل، وإن كان ثمن التجربة ملايين القتلى ومليارات الخسائر ودمار الديار؟ السبب الأوحد في رأيي أن ثقافتنا هي التي شجعت أعداءنا على نحرنا وتدميرنا، فنحن من يلقن أطفالنا بأن الفيل يطير وبأوامر عليا!