يتساءل الكاتب عماد ابو الفتوح: كيف تعرف أنك تعيش بعقلية القرون الوسطى؟ ويجيب انه قام مؤخراً باكتشاف اننا لا نزال نعيش ظروفاً شديدة التشابه بأوروبا القرون الوسطى. فأوروبا اليوم، الأنيقة المملوءة بالجمال، والوجوه الشقراء النضرة، والتقنية والحداثة والديموقراطية والنظافة والإدارة والتنظيم والخدمات والإبداع، لم تكن كذلك قبل 500 سنة، عندما كانت التسلية الوحيدة المُتاحة هي قتل بعضهم بعضا لإعلاء كلمة الرب.
فعن طريق المقارنة الفكرية بشكل فردي، وليس بالمقارنات الاجتماعية العامة بين الشعوب الاوروبية والشعوب العربية بشكل عام، نجد أننا عندما نعتبر كلمة حرية مرادفة للتحلل الأخلاقي، فإننا لا نزال فكريا نعيش في القرون الوسطى، فللحرية أبعاد أخرى ومعان ومقاصد كثيرة، أكثر أهمية، ولكننا لا نرى منها إلا المفهوم الجنسي.
كما اننا من شعوب القرون الوسطى، عندما لا نشعر بالراحة لسماع كلمة «مواطن»! فالمواطن، هو فرد متساو مع الآخرين في الحقوق والواجبات، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك إن كان مواطن ما ينتمي لدين او مذهب الأقلية؟ هل يستمر في نيل حقوقه كاملة كمواطن؟ إن كان الجواب بلا، فلا نزال نعيش في القرون الوسطى.
كما اننا لا نزال نعيش في القرون الوسطى إن ارعبتنا الأفكار المخالفة لما اعتدنا، أو تربينا عليه. ولا نعيش في عصرنا إن كان تفكيرنا منصبا على قضايا عجيبة، مثل هل الموسيقى حرام، هل ارتداء البنطلون حرام، وهل يجوز الأكل بالملعقة؟
وعندما تفسر كل شيء حولك بنظرية المؤامرة، فأنت حتما لا تعيش في عصرك، فنظرية المؤامرة حقيقية بالمفهوم التنافسي الإنساني بين البشر والمجتمعات، الكل يتآمر على الكل، ويسعى لتحقيق مصالحه، وأفكاره، ويفرض نفوذه، ويقوّي من وجوده، أما أن تمتلئ مكتبـتك بكتب مثل بروتوكولات حكماء صهيون، وتقضي ساعات طويلة في قراءتها، فستتحول إلى إنسان مُتشكك في كل شيء حولك. وتاريخ أوروبا مملوء بقصص حروب بدأت لأن طرفاً اعتقد أن الطرف الآخر يتآمر عليه، وبالتالي يجب استباقه، وتدميره.
وتعيش في القرون الوسطى إن اعتقدت انك محور الكون، وانك على حق والباقي على باطل. وتعيش في غير عصرك.
وبما أن واحداً أو أكثر مما ورد أعلاه ينطبق، بشكل أو بآخر، على كل منا، فبالتالي نحن الأمة الوحيدة في العالم التي تعيش بكاملها، إنسانيا وفكريا، في القرون الوسطى، بعد أن قطعت صلتها بالقرن الحادي والعشرين. وانظر حولك تعرف معنى ما اقول!