زيادة الضغط تولّد الانفجار، عبارة بسيطة على السلطة السياسية أن تستوعبها حين تفكر في تشريع قانون ما، أو وضع لائحة، أو حين تنسى كل هموم المواطن والمقيم وتركز فقط على المسألة الأمنية السياسية، بمعنى عدم الاقتراب من الممنوع والمحظور في مدوناتها الجزائية، وما أكثر هذه الأخيرة.
في خبر “الجريدة” يوم الخميس الماضي “الحكومة تحيل مشروع الإعلام الإلكتروني الجديد” بنسخة جديدة لمجلس “الشور شوركم والراي رايكم”، الذي سيمهر القانون بختمه المبارك بحكم العادة المتأصلة بمرسوم خلق المجلس!
مشروع القانون هذا، مجرد جرعة جديدة مرة لزيادة الضغط الذي يولّد الانفجار، ويأتي ضمن مسلسل طويل لقمع الجزء الضئيل المتبقي من حريات الضمير وهو “حق التعبير”.
المادة 4، مثلاً، من المشروع تمد من نطاق تطبيق القانون لما يمكن تصوره في كل مجالات نشاط الإنترنت مثل النشر الإلكتروني، وكالات الأنباء، الخدمات الإخبارية، المواقع الإلكترونية للصحف الورقية والقنوات الفضائية المرئية والمسموعة، والمواقع والخدمات الإعلامية التجارية الإلكترونية…!
ماذا بقي بعد للمقموعين كي يقرأوا أو يعبروا عنه بالإنترنت! أيضاً هناك مواد تقرر عقوبة الغرامة العالية وحجب المواقع، وتحيل لقانون المطبوعات والنشر سيئ الذكر ولقانون الجزاء، تحت البند المقدس “مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر”، بمعنى أينما تذهبون يا شباب فنحن وراءكم، نحسب أنفاسكم، نلاحق خطواتكم، نتابع أحلامكم، ونقلبها كوابيس مرعبة… دولة الأخ الأكبر يراقبكم، برواية “أورويل 84″، تتجسد الآن أمامنا في المثلث الكويتي.
هذا المشروع هو ردة فعل متشنجة للمدونات الإلكترونية لإخضاعها لنهج التدجين والترهيب الذي تمارسه السلطة مع الجرائد الورقية، فلا يعد هناك فرق بين المطبوع الإلكتروني والمطبوع الورقي، فكلاهما عند السلطة صابون.
أين نسير، وأين نقف اليوم مع مثل تلك الخطوات السلطوية في كبت حريات البشر؟، في وقت نحن أشد ما نكون بحاجة إلى التنفيس والانفتاح مع تضخم ونمو التحديات الاقتصادية مع نزول سعر برميل النفط، ومع زيادة عدد المواطنين الملاحقين بتهم حرية الرأي أو المحكوم عليهم والقابعين في السجون لتلك التهم.
ماذ تريد السلطة آخر الأمر مع هذا السلوك حين تستعمل أداة التشريع، لتكميم أفواه الناس وسد منافذ التعبير عن أنفسهم.
ماريو فيرغاس الروائي البيروفي في كتاب “ملاحظات على وفاة ثقافة” كتب تلك العبارات أترجمها محوراً بعضها تماشياً مع حالنا البائس”… عندهم المواطن هو الذي ينهمك بعمله وحياته الخاصة ولا يكترث للشأن العام وللذين يحتكرون السلطة، في تلك الأجواء يموت الفكر، يتهاوى النقد، الناس يفتحون الجرائد، يذهبون للمراكز التجارية كي يتسوقوا، ويشاهدوا الأفلام… ويجلسوا في المقاهي ولا يوجد عندهم أي هموم جدية…”! ماذا تريد هذه السلطة؟ هل تريد شعباً حياً، أم تريد قطيعاً وهي الراعي الوحيد!