لا يمكن وصف المشهد عصر يوم الجمعة (11 سبتمبر/ أيلول 2015) في ميقات ذي الحليفة (مسجد الشجرة) إلا بأنه أروع مشهد في عصر يوم مبارك وألوف الحجيج تصل إلى الميقات للإحرام ومن ثم الانطلاق إلى مكة المكرمة.
كان من السهل للغاية قراءة وجوه حجاج البحرين خصوصًا، بل قل كل الحجاج في ذلك الميقات المبارك.
استبشار ورهبة… سرور وغبطة ممزوجة بنبضات تهز المشاعر… وبياض الإحرام يضيف أنصع موجة بشرية، بين صلاة ودعاء وتلبية وتأهب للمسير نحو مكة المكرمة. لكن الخطب الجلل الذي تناقلته الهواتف النقالة ورسائلها بين الحجيج حوَّم وكأنه سحابة حزن لا يمكن للقلوب وللأجساد وللنفوس تحمله، حتى أن العبارة التي تكررت على الألسن :»لا حول ولا قوة إلا بالله… لقد سقطت رافعة في الحرم المكي… لقد مات عدد من الحجيج فيما أصيب عدد آخر… هل من مؤكد؟ هل وردت معلومات؟ من أي الجنسيات ضحايا الحادث؟».
حجاج البحرين كانوا يستقبلون مكالمات ورسائل ذويهم ومعارفهم وأصدقائهم، بل ومن الذين ودعوهم في المدينة أو الذين ينتظرونهم في مكة، وكان لافتًا سرعة عمل وجاهزية الحملات البحرينية في إصدار البيانات والمعلومات التي تؤكد سلامة حجيجهم، ولاسيما أولئك الذين كانوا مثلنا، في طريقنا إلى مكة حينها، واستخدمت كل الحملات وسائل التواصل بأسلوب يعكس قدرة الكوادر البحرينية على إيصال المعلومة في وقتها المناسب، وللأمانة، كذلك فعلت بعثة البحرين للحج وحرص رئيس البعثة فضيلة الشيخ عدنان القطان على التواصل والتواجد والتأكد من سلامة حجاج البحرين.
على أية حال، ما هي إلا سويعات وإذا نحن في الحرم المكي الشريف… في الطريق… وبين الجنبات… وفي أحاديث الحجيج، لاتزال قصة الحادثة مسيطرة على المشهد بكامله… نعم، في الطواف والسعي كان الحجيج يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى لإتمام مناسك العمرة، فقد جاؤوا ملبين دعوته، وإن كان القضاء والقدر قد وقع بمشيئة الله، إلا أن حالة السكينة والهدوء في الطواف وصلاته والسعي، لا تخرجها من حالتها إلا موجات الدعاء والتكبير والحمد.
كان الدفاع المدني السعودي يصدر المعلومات، وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل (فجر السبت 12 سبتمبر أيلول 2015) كانت المعلومات تشير إلى أن عدد الضحايا بلغ 87 قتيلًا و184 مصابًا بسبب سوء الأحوال الجوية، وفي اليوم التالي وما بعده، كانت وسائل التواصل تتناقل وتنشر مقاطع الحادث المأساوي الرهيب، وفي المقابل، كانت رسائل أخرى تحوي رسائل زيارة خادم الحرمين الشريفين والمسئولين لموقع الحادث، ورسائل أخرى تطالب بإنزال أشد العقوبة بالشركة المنفذة لمشروع التوسعة.
المؤسف، أن عشرات الناس كانوا – بجهل حقيقي وقلة احساس بالمسئولية – ينقلون حوادث متعددة يزعمون أنها لحوادث متتابعة تعرض لها الحجيج، فيما هي في الحقيقة حوادث سابقة، الأمر الذي ضاعف من قلق ومخاوف بل ورعب ذوي الحجاج.
العقوبات، بل أشدها وأشدها يلزم أن تطبق على من تسبب في هذه الكارثة… صحيح، أن موقع سقوط الرافعة أصبح مكانًا لالتقاط الصور بين الحجيج، لكنها صورة قاتمة لذكرى محزنة نتمنى ألا تتكرر، ومن اللازم الإشارة ختامًا إلى الجهود التي يبذلها كل خدام الحجيج في مكة المكرمة والمدينة المنورة… جهود مشكورة لعمل جبار نتمنى أن يبتعد عن مدارها أولئك الذين يسيئون إلى الحجيج بطائفيتهم وعنجهيتهم وغلاظة تعاملهم مع ضيوف الرحمن.