بالتأكيد لا يمكن استباق الأحداث في القضايا المنظورة أمام القضاء، فأروقة القانون تختلف وتتميز عن بقية المؤسسات العامة بقواعد وإجراءات التقاضي والترافع، وكذلك جهات الاختصام المتعددة وأدوات كل منها وصولاً إلى هيئة المحكمة التي تتدرّج في ثلاثة مستويات انتهاءً بمحكمة التمييز، لذا يكون من الصعوبة بمكان التنبؤ بالأحكام القضائية، وإن صدرت من محاكم الدرجة الأولى لأن مشوار القضايا ما زال مستمراً.
فاعتبر الكثير من المتابعين بمن في ذلك رجال القانون ما حدث في الجلسة الأولى لمحاكمة “خلية العبدلي” بالمفاجأة من حيث المعلومات الجديدة، واحتمالات سير القضية في مسارات قانونية مختلفة عما تم الإعلان عنه في بدايات القضية دون الخوض في التفاصيل.
الإعلان عن “خلية العبدلي” جاء في ذروة الاحتقان الطائفي الذي تشهده الكويت منذ عدة سنوات، سواءً على صعيد الوضع الداخلي أو امتداده الإقليمي، ولذلك تحولت القضية إلى مادة صاخبة إعلامياً وسياسياً واجتماعياً عبر وسائل التواصل الإلكترونية، فخاض في تداولها كل منتدى اجتماعي ووسيلة إعلامية ومؤسسة دستورية انتهاءً بالحوارات الثنائية التي عكست في جلّها عاطفة وعصبية وتوترا وتكسّبا سياسيا وغيرها.
لا شك أن طبيعة الأحداث ذات الصبغة المذهبية تأخذ نصيبها من التأجيج والتمويل، ويتم استغلالها حتى النخاع، ولكن في قضية العبدلي فإن الحكومة تتحمل الجزء الأكبر والأخطر لما آلت إليه مشاعر الناس وردود أفعالها، وتمزق نسيجها المجتمعي، وتمثل ذلك بالصخب الإعلامي الحكومي في إخراج القضية إلى العلن في البداية والتهم الكبيرة التي أُعلن عنها، ثم وبشكل مفاجئ ذلك الصمت الغريب رسمياً والتسريبات اليومية من أجهزة الدولة، وخصوصا جهات التحقيق والأمن التي كانت الوقود المستمر للاستهلاك المحلي والتداول الشعبي، الأمر الذي ساهم في المزيد من نار الفتنة وإذكاء روح الكراهية والعداء بين المواطنين.
أيضاً دون استباق الأحداث، ولكن في منتهى الغرابة، فإن ما تم تداوله في قاعة المحكمة بعيد كل البعد في أصله وتفريعاته عما أشغلت بيانات وزارة الداخلية، ثم بيان مجلس الوزراء به الناس الملتهبة مشاعرهم في الأساس، دون حتى أي ردود فعل رسمية لما جرى، وكأن لسان حال الحكومة يقول إنه بعد أن تم تحريض الشارع السنّي على الشيعة على مدى أسابيع ثقيلة وحالكة، يتم الآن فتح المجال أمام الشيعة لقلب الطاولة والتنفيس عن الحالة الدفاعية التي عاشوها لأسابيع قادمة، في دوامة نتيجتها الوحيدة المزيد من التعبئة الطائفية.
ورغم النصائح الكثيرة والدعوات المتكررة لضبط النفس، وعدم الاستعجال، وحشر الأنوف في كل صغيرة وكبيرة، خصوصاً في القضايا الطائفية، الأمر الذي لم يعد ينفع معه التوجيه والإرشاد، فإن مواقف الحكومة سواءً كانت تكتيكات مقصودة أو قصورا في الدراية السياسية والإدارة الناجحة هي السبب في اختلاق المشاكل بين الناس وزيادة الطين بلة، مع عدم تبرئة الكثير من العقول السطحية التي تنجرف بسرعة البرق، وتنعق خلف كل ناعق، وتسقط في الفخ في كل مرة كطائر “المردم” المعروف بهذا الغباء الأزلي!