عرفت جانباً مهمّاً من جوانب شخصية رجل الدين اللبناني الكبير المرحوم محمد مهدي شمس الدين، وكان ذلك قبل أربعين عاماً. وكانت لنا جلسات نقاش مطوّلة في شؤون الدنيا والدين. وعلى الرغم من اختلاف خلفياتنا الثقافية والدينية والسياسية، وبساطة فهمي مقارنة بغزارة علمه، فإننا كنا نتفق على أمور كثيرة، يصعب على شخصين متبايني الرؤى الاتفاق عليها.
لقد كان شمس الدين وطنيا، وإلى حد ما علمانيا، قبل أن يكون شيعيا. ولو طال به العمر لأحدث تغييرا كبيرا في مواقف الشيعة وغيرهم، من خلال رئاسته المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، من قضايا حيوية عدة. ولكن القدر شاء أن يرحل عنا قبل 15 عاماً، بعد أن وضع أفكاره وآراءه في كتب ومقابلات قيمة، نحن أحوج ما نكون اليوم للعودة لها، في خضم كل هذا الهيجان العاطفي والطائفي الذي تعيشه مجتمعاتنا، وخاصة الكويت ولبنان.
كان المرحوم شمس الدين معارضا لفكرة ولاية الفقيه، وكان يعتقد أن الإيمان بها والعمل بموجبها سيجر الويلات على وطنه الصغير، و ربما هذا ما حدث. كما كان معارضا للنفوذ الإيراني. وكان يعتقد بقوة ان إيران ربما لن تتردد في تأليب بعض الشيعة على حكوماتهم، من أجل أن يكون لها موضع قدم في بلدانهم، وأنها ستستخدم المال، والكثير منه، في سعيها لكسب النفوذ.
كما كان الشيخ محمد مهدي معارضا لتوجهات «حزب الله»، وكان يؤمن بأن الحزب يعمل ضمن أجندة إيرانية! ومن هذه المنطلقات وغيرها جاءت وصاياه التي كان دائم الحديث عنها، ويوصي الجميع من حوله، كتابة وحديثا وخطبة، وخاصة الشيعة، وفي أي وطن أو مجتمع كانوا، أن يندمجوا بمحيطهم، وأن يخففوا كثيرا من غلوائهم، وألا يميزوا أنفسهم بأي موقف او تصرف. وأن تكون مشاريعهم وطنية وليست طائفية، إن كانوا حقّا مسلمين. فالإسلام، من وجهة نظره، يدعو الى وحدة الأمة، في تلازم مع وحدة المصلحة، وهذه تقتضي الاندماج مع فئات المجتمع الأخرى، وعدم التمايز عنها.
كما كان يحذّر في وصاياه من الانجرار وراء دعوات بعض «الزعامات» الشيعية التي تهدف الى النفخ والتهويل في مسائل الانصاف ورفع المظلومية، لاعتقاده بان هذه الدعوات، كانت ولا تزال، شرّاً مطلقاً، وتسببت في الإضرار بقضاياهم، وأنهم بدلا من ذلك مطالبون بالعمل على تحسين ظروفهم الأسرية والاندماج في مجتمعاتهم، والإيمان التام بالعمل الجماعي، حتى في ظل الأنظمة الظالمة، والبعد عن مشاريع التصحيح والتقويم وعن إنشاء تكتلات حزبية سياسية للمطالبة بحقوق الطائفة، فجميع تلك التكتلات لم تؤدّ إلا لزيادة الفرقة وزيادة معاداة الآخرين لهم، وزرع الشك بين أطراف المجتمع، وتعميق الخوف والحذر وسوء الظن بالشيعة ومخططاتهم وصحة ولائهم لأوطانهم، وبالتالي عزلهم، بشكل أو بآخر، عن الحياة العامة، وعن التفاعل مع بقية مكوّ.نات المجتمع.