هبوط أسعار النفط يدخل عامه الثاني في ظل توقعات بنكسات جديدة قد تؤدي إلى مزيد من التراجع لأسباب سياسية واقتصادية متزامنة، منها محاولة بعض الدول إغراق السوق مجدداً انتقاماً من الدول التي بدأت هذه الحرب، ومنها دخول الصين وشرق آسيا حقبة أخرى من تراجع النمو الاقتصادي بعد الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يعني احتمالية وصول سعر البرميل النفطي إلى ما دون الثلاثين دولاراً.
خسائر دولة الكويت التقديرية تبلغ في المتوسط 150 إلى 180 مليون دولار في اليوم، أي ما يعادل 60 إلى 70 مليار دولار في السنة، وبالنسبة إلى بلد يفتقر إلى أبسط نموذج لتنوع الاقتصاد فإن هذا الرقم في العجز المالي يعتبر أكثر من كارثة، خصوصاً إذا استمر تدهور سعر الطاقة لعدة سنوات قادمة.
المشكلة الحقيقية لا تكمن في قصور بنيتنا الاقتصادية والمعادلة البسيطة المتمثلة بالصرف من عوائد النفط، رغم أن ذلك يعد بمثابة المصيبة السياسية، لكن المصيبة الأكبر أن الحكومة لم ولن تفكر في دراسة هذا الخلل الهيكلي، إما لقصور مزمن وواضح في عقلية التفكير والمنظور المستقبلي وإما لتعمد إهمال هذا الموضوع، وقد تتعذر الحكومة بأن لديها احتياطيا ماليا قويا أو صناديق سيادة استثمارية، وهذا مبرّر واهٍ بحد ذاته، فرغم أهمية هذا الرافد فإنه معرّض لخطرين: ارتباطه بأسعار النفط من جهة، وكون هذه الأموال الضخمة مستثمرة في أوروبا والولايات المتحدة، وحلم استرجاعها لا يقل عن حلم إبليس بالجنة.
الحكومة تدري أم لا تدري فهذا شأنها، لكن الحقائق تقول إن عدد سكان الكويت سيصل إلى ستة ملايين نسمة خلال عشر سنوات من الآن، وثمانية ملايين مع منتصف القرن الحالي، وهذه الأرقام مخيفة لبلد صغير ما زال يعتمد على بيع النفط وصرف عوائده دون التفكير في تنويع مصادر الدخل، وإعادة بناء اقتصاد وطني منتج ودائري يغذي بعضه بعضا، فكلفة البنى التحتية لتعاظم عدد السكان وتوفير الخدمات الرئيسة العامة لهم من تعليم وصحة وسكن وتوظيف بحاجة إلى رساميل ضخمة، وهذا كله في ظل العوامل الطبيعية من الهدوء والاستقرار، فكيف إذا أضفنا مؤشرات عدم الاستقرار المحلي والإقليمي إلى هذه المعادلة الصعبة؟!
باكورة خطة الطوارئ وسياسة شد الحزام الحكومية جاءا على شكل الإعلان عن صفقة “اليوروفايتر” لشراء طائرات حربية (إيطالية هذه المرة!) بقيمة 9 مليارات دولار دون وجود مبررات عسكرية أو حتى توصيفية لهذا الأسطول الجديد والغريب عن سلاح الجو الكويتي لأكثر من نصف قرن، وتأتي صفقة الرافال الفرنسية في الطريق أيضاً فقط لأن الرئيس الفرنسي “عاوز كده”! وليضيف هذا الرقم هدراً جديداً للأموال العامة التي صرف منها خلال السنوات العشر الماضية 22 مليار دولار رغم أننا وقعنا اتفاقيات أمنية مع الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن.
إن صفقات السلاح بشكل عام وتجارب الكويت فيها خصوصاً مثل الزوارق الفرنسية ومدفع بلادين العملاق وصفقة الرافال السابقة تحوم حولها عادة شبهات الفساد، وما تناقلته الأنباء حول العمولة الخاصة باليوروفايتر التي تكفي لبناء مدينة جديدة في الكويت دليل على هذه السياسة الحكيمة، في ظل السبات العميق الذي يلفّ مجلس الأمة، فما نحتاجه فعلاً هو “الكويتي فايتر” في هكذا مواقف!