بلا شك هناك الكثير من المواطنين، ممن قلوبهم على البلد. ولا شك ايضا وفي هذه الايام من وجود قلوب وطنية كثيرة يهيمن عليها الخوف، ويقض مضاجعها الهلع بسبب الازمات والاحداث الاقليمية المتعاظمة. لهذا نجد الاهتمام بالشأن الوطني يتعاظم، والحرص على تأكيد وتثبيت، او بالاحرى التثبت من الولاء والانتماء يشغل بال وخواطر الكثيرين.
لكن المؤسف ان ليس كل ما هو على السطح انعكاسا فعليا للواقع. فأنا اعتقد ان ردة الفعل على الاحداث الاخيرة، وخصوصا المبالغ فيها، تعود اصلا اما الى انتماءات وولاءات «غير وطنية»، اي عصبيات، او هي تعبير احيانا عن شعور بالتقصير، وربما حتى الذنب لدى البعض.
لو كان المتهمون بخلية العبدلي من انتماء ديني آخر او اصل عرقي مختلف، لكانت ردة الفعل مختلفة تماما عند كثيرين ممن تناولوا الموضوع بحدة وشدة. اي ان قسما كبيرا حركهم انتماؤهم العرقي او الطائفي، ولم يهبوا ويغضبوا بهذا العنف لدوافع وطنية ولقلق مشروع على الاوضاع والايام القادمة. وقد رأينا كيف ان الحوادث الارهابية، التي تمت في التسعينات وبداية الالفية الثالثة، مرت مرور الكرام، تماما كحوادث المرور والسرقات، وربما اقل تركيزا وعناية من الادعاءات المزعومة لسرقة المال العام. فهي رغم تعددها ورغم خطورتها، ورغم كونها مخططاً يهدد وجود وأمن البلد ـ فإن الجميع تعامل معها بلا مبالاة وبتسامح، وعند البعض بدعم وتأييد معلنين.
الانتماء الوطني والولاء الاجتماعي العام ليسا بهذا الزخم الذي يبدوان به. فنحن اولا لم نتطور اجتماعيا بدرجة كافية حتى يكون الشعور «الوطني» الاجتماعي هو المهيمن والمسيطر علينا ثقافياً وذهنياً. وحكوماتنا بذلت مجهودات عنيفة ورهيبة في السنوات الاخيرة، وفي الواقع لا تزال، لتثبيت الانتماءات البدائية والعصبيات القديمة ونشر القيم الدينية والخاصة، بدلاً من القيم والانتماءات الوطنية. صحيح ان الشعور الوطني والانتماء لا يلقنان او يغرسان عنوة، ولكن الصحيح ايضا ان نموهما سيكون محدوداً، وتأثيرهما معدوماً في ظل التزكية الرهيبة من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع للمشاعر والانتماءات المعاكسة.