لماذا حالنا، كعرب وربما حتى كمسلمين، متردٍّ، نستمتع بفتك بعضنا بعضاً، ثم نمسح الخرقة بحد السيف، ونقول إنها مؤامرة؟ ربما لأننا شعوب مهزومة بامتياز.
لسنا وحدنا المهزومين؛ فقد ذاقت شعوب كثيرة مرارة الهزيمة والانكسار والخروج من دائرة المنافسة، إلا أن تلك الشعوب التي مرت بهزائم حادة وتعافت، اعترفت أولاً أنها مهزومة، وأعلنت قطيعة مع ماضيها الذي ورطها في الهزائم، وصارت أكثر انفتاحاً على الآخر، بينما نحن نتعامل مع الغير بتعالٍ، بعنصرية واحتقار، ونُصرّ على المكابرة، ونتحدث عن واقعنا، وكأننا قد اعتلينا برج “إيفيل”، أو تربعنا على رأس تمثال الحرية.
خطورة الهزيمة لدى المهزوم ليست في شقها العسكري فحسب، ولكن في الثقافي والعلمي والتكنولوجي والفني كذلك، فالفجوة واسعة وتزداد اتساعاً، ومع اتساعها يزداد الإحباط، ويزداد الشعور الدفين بالهزيمة، لتتحول بذلك إلى ذهنية سائدة وموروث ثقافي وسلوك متوقع.
نحن شعوب لا تتحدث إلا عن الماضي، ويتوقف عندها التاريخ، تستحضر روح تاريخها “المشرق” هرباً من واقعها المأساوي، وتقتل وتفتك بأبناء جلدتها، وتزعم أنها قد انتصرت على أعدائها، تتحدث عن خطر تقسيمها وتشرذمها، وهي منقسمة شر انقسام، أمة أبطالها هم الذين يصرخون أكثر، والذين يتشددون أكثر، والذين يعيشون في الغرب أكثر، وصرنا، نحن العربان، كالغربان ننعق في كل واد، وليس لنا من هاد، ونضيع في الأحقاد.
الشعب المهزوم، مكلوم، مثلوم، مشؤوم، معاق معيق، حتى إشعار آخر، أو حتى يقتنع بأنه مهزوم، وأنه صار عليه أن يبدأ في البحث عن أسرار هزيمته ويعالجها كما عالجتها شعوب خلق الله المهزومة قبلنا، التي وجدت ضالتها في الخروج من مأزق العزلة والتفوق الوهمي، إلى التركيز على مواطن القوة فيها، أما نحن فلا نرى قوة لنا إلا في ماضينا، وفي التناحر على من هو أكثر ماضوية من غيره ولا شيء غير ذلك، معادلة صفرية نتيجتها صفر مدور.
الشعوب المهزومة تبحث عن بطل ينقلها إلى عالم الانتصار، شخصية خيالية لا مكان لها في عالم القوة والعلم، ولكنها تتأصل في عالم الخيال حتى يصبح المتخيل هو الواقع.
أبطالنا اليوم هم أشباح ينثرون الملح على الجرح، يلتزمون بالتشدد كنوع من التعويض عن الضعف، وهم يتسربلون بالحياة الرغدة، والشعوب المهزومة تتبعهم، لأنها غير قادرة على استيعاب وجود مستقبل إلا من خلالهم.
عقلية الشعوب المهزومة، تجعلها شغوفة بالإصلاح والديمقراطية، وفي مكان آخر مغرمة بالديكتاتور وشخصيته، وأغلب من يدعو إلى الإصلاح والحرية والديمقراطية يحمل داخله ديكتاتوراً صغيراً وأحياناً كبيراً، فتطفو على السطح متناقضات تهيمن على تفكيرنا، أياً كان شكلنا الخارجي، سُنة أو شيعة، إسلاميين أو غير إسلاميين، فنُصاب بما يشبه انفصام شخصية.
علينا أولاً أن نقبل الهزيمة، فإن لم نفعل فسنظل ندور حول أنفسنا، و”نبقبق” كالفقمات، ونحرق البخور لعظمتنا وإنجازاتنا المتخيلة، فيكون خراباً مركباً، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.