في الآونة الاخيرة تمكنت الجهات الامنية من إلقاء القبض على كثير من هواة، او لنقل محترفي التغريد. المقبوض عليهم لم يكونوا مغردين لله ولا لانفسهم، بل كانوا يغردون ويرددون ما يأمر به المعازيب. والمعازيب حسب ما تم الكشف عنه في الغالب من الشيوخ.
المقبوض عليهم كانوا يمثلون، قبل الكشف عنهم بالطبع، اصواتا وطنية. ويشكلون ضمائر حية واصواتا واعية معنية بمصلحة الوطن ورفاه الناس. وكان الكل مع الاسف مصدقا، والكل تابعا، واحيانا مشجعا وداعما معنويا لهؤلاء المدعين والأفاقين. هذا يدل مع الاسف كم هو سهل خداع الناس، وكم نحن عفويون ومتحمسون للاصطفاف خلف كل من يرفع الوطنية او يكبّر ويبسمل. ولا عجب او استغراب هنا. فقد نجح البعض في جعل كثير من الاشاعات حقائق، وكثير من التهم والاداعاءات قضايا وطنية حمل الناس رايات التلويح بها ومتاريس الدفاع عنها ايضا.
إصرار الشيوخ على استخدام وسائل التعبير الجماهيرية في صراعاتهم، واستعراض اتجاهاتهم رغم الخطورة الواضحة فيه، هو في الواقع مدعاة للتفاؤل واشارة ايجابية مؤكدة الى اهمية وفعالية وسائل التعبير الجماهيرية، واثرها في توجيه الرأي العام.
لكن يبقى المطلوب مع هذا وعي اعلامي، او رأي عام مستنير لديه القدرة على التمييز بين الغث والسمين، الاكاذيب والحقائق. وهذا لن يكون إلا بالعودة الى المبادئ الاساسية في العدالة واصول التقاضي وقواعد المنطق. هذه الاساسيات التي تم اهمالها وتجاوزها من قبل من تصدى للقيادة الجماهيرية في الآونة الاخيرة. وبالتالي ترك الناس فريسة الادعاءات، وصيدا سهلا لطلاب الشهرة واصحاب المصالح الخاصة.
علينا ان نتمسك بالمبادئ والقواعد الاساسية. لا تزر وازرة وزر اخرى، والمتهم بريء حتى تثبت ادانته، والبينة على من ادعى. والقضاء هو الحكم وهو الفيصل في اي خلاف والمحدد لطبيعة اي ادعاء. لقد تم اهمال وتجاوز هذه المبادئ الاساسية وكثير غيرها ايضا. لمصلحة التسريع في انهاء الصراع، او ضمان ادانة من يعتقد البعض انهم مجرمون، وان ادانتهم الفورية رغم احتمال خطئها اكثر مردودا واوفر ضمانا من إخضاع قضاياهم للاحكام القضائية، وللقواعد القانونية والسنن المتبعة.