نُسب إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تصريح أنها قالت: “إن الألمان سيقولون لأطفالهم إن المسلمين طلبوا اللجوء إلى ألمانيا في وقت كانت مكة أقرب إليهم”… وتبعت هذا التصريح مناوشات على مواقع التواصل حول صحته، وتبين لي لاحقاً أنه لا يوجد مصدر موثوق نقل هذا التصريح، كما تبين أن من نقله هو شاب سوري وضعه على صفحته في “فيسبوك”.
وأياً كان ناقل هذا التصريح الذي لقي صدى واسعاً، فإنني أعتقد أنه لو كان خرج من المستشارة لكان أهون علينا من أن يخرج من شاب سوري، نسبه إليها كي يعبر عن حرقته التي وصلت إلى أبعد مدى، وكيف لا؟ ونحن لم نستوعب معاناة اللاجئين من إخوتنا السوريين، وقبلهم العراقيون، الذين أصبحت أجساد الكثير منهم غذاءً يومياً لأسماك البحر، فأصبحت أوروبا حاضنة للناجين من حرب بلدانهم أو من كُتِبت له النجاة من أهوال البحر وأخطار البر، وأعطتهم الحق في الحياة، بعيداً عن براثن المخيمات.
فأحفاد طارق بن زياد، الذي نزل عام ٧١١هـ، إلى “جبل طارق”، وهزم ملك القوط الإسباني رودريك هزيمة ساحقة، وقام بفتوحات واسعة في إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا، ليحكمها المسلمون ٧٠٠ سنة، وكان سر بقائهم الطويل هو سلاحَي العدل والعلم، هؤلاء الأحفاد لم يجدوا اليوم أحداً يستوعب معاناتهم ولا مصائبهم سوى دول أوروبا التي ترحب بهم كي يعيشوا في ظلها، في وقت يمثل بقاء مآسيهم عاراً على المجتمع الدولي، وعدم استيعابهم عاراً على إخوتهم العرب والمسلمين.
الحقيقة المرة أن من حق الألمان أن يصرحوا بما يشاءون، أما نحن فعلينا احترام الحقائق التاريخية كفتوحاتنا، واحترام الحقائق الحالية، وأولاها ضعفنا ومآسينا التي يصعب علينا استيعابها، وهنا أستذكر قصيدة أبي البقاء الرندي (في رثاء الأندلس) التي يقول في مطلعها:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دولٌ من سَرُّهُ زَمنٌ ساءتهُ أزمانُ
فسبحان مَن حوّل الفاتحين إلى لاجئين…