من دون ترتيب مسبق، وبعفوية لافتة، دار حوار بيني وبين شاب حول نمط التفكير وأحوال البلد والنظرة للمستقبل، ورأيت أن أشرككم بما طرح فيه.
بدأ الحوار بعبارة مزعجة «هل نحن جيل تافه؟».. يستطرد قائلاً: عبارة تخطر لي بين فترة وأخرى! فحينما أرى أن أغلب أبناء جيلي يعيشون حياة اللامبالاة لا يهتمون بأي شيء حولهم سوى تمضية أوقاتهم في القهاوي، أو متابعة المباريات، أو رحلات البحر، أو بناء العضلات أو التجوّل بالسيارة، لا نكترث بالأمور الحيوية للحياة، ولا نحب القراءة ونستهلك طاقتنا بوسائط التواصل الاجتماعي!
سألته: وتلك مسؤولية من؟ فأجاب بسرعة: الجميع! المدرسة تلقينية، ومناهجها مملة لا تنمي الحوار ولا تكتشف المهارات، لا جدية للمدرس، لهفته لنهاية الدوام أكثر منا، فماذا تتوقع منه؟! الإعلام في الغالب خواء لا يقدم المفيد ولا يجذب المتطلع، حشو ببرامج ضحلة يقدمها كل من هب ودب. الأصدقاء كلهم حائرون اختاروا تخصصاتهم من دون قناعة، ولا يعرفون ماذا سيعملون مستقبلا، ولماذا؟!
علقت: لقد أغفلت البيت! قال: لا، لكن لحساسيته آثرت الصمت! قلت: تكلم. قال: الأب والأم مشغولان طوال الوقت بعمل أو جمع المال، أو الزيارات أو المنتديات المظهرية أو التسابق الاجتماعي المحموم، ونسيا أن في البيت أبناء يحتاجون الألفة الأسرية والخبرة الحياتية والتوجيه التربوي، فصار اعتياديا ألا ترى والديك لأسبوع، فلا تفقدهما ولا يتفقدانك!
نظر إليّ، وقال: الدولة غائبة غائبة! الجميع مسؤول.
شعرت بالخجل والألم، فأنا من جيل الآباء، الذي ساهم في ما آل اليه حال جيل الأبناء.. أظن نحتاج مبادرة تطوعية وأخرى رسمية لتصويب المسار.
انتقلت معه الى مسألة أخرى عن أحوال البلد ورأي الشباب فيها؟ تغيّر وجهه وهو يقول: معظمنا محبط، ويائس وفاقد للثقة! قلت: كيف؟ قال: تعليمنا لا يصقل فينا شخصية لدور اجتماعي وعمل وظيفي جاد، وميزانياتنا المنفقة خيالية بلا بقيمة تعود علينا، فلا منافسة حقيقية للتعليم! ولا مؤهلات للوظيفة! بل لا وظائف متوافرة لتصقل القدرات بقدر تكديس بشري مضر! وصراعات في كل مكان وسرقات وتبذير! ولا مراكز حقيقية لتنمية الشباب، حتى الزواج خيار غير مريح، مع غياب للدولة في تأمين المسكن أو إتاحته بقيمة عادية، الطمع والجشع أعميا الجميع؛ مسؤولا وتاجرا وجيل الآباء!
ثم أضاف: الثقة بالدولة وبالساسة مفقودة!
قلت: لحظة، كيف تنظرون للمستقبل؟ قال: الأمر بأيديكم لا بأيدينا، قلت: كيف؟! قال: لما تهيئوننا للقيام بمسؤولياتنا الحياتية الراهنة، فماذا تظن أن نتصرف حيال مستقبل لا نرى له وجوداً في تخطيطكم ولا تفكيركم ولا ممارساتكم الحياتية؟!.. لا تزعل يا عمي، أنتم لستم مثل آبائكم وأمهاتكم! انشغلتم عنا ولم توفروا ظروفا مدرسية ولا مجتمعية بديلة، فظهرت فينا الاتكالية واللامبالاة والسلوكيات غير المرغوبة، بل حتى العنف، ولو سألتم شباباً آخرين بنفس الصراحة بعيدا عن النفاق والترويج المزيف للاهتمام بالشباب! لسمعتم ما تشيب منه رؤوسكم، فتغييرنا منكم ومعكم يبدأ، فلا تتهربوا من المسؤولية.. قلت له: وصلت الرسالة، وسأنقلها للكافة.