عمر الخيّام شاعر فارسي اجتمعت فيه التناقضات، فأبدع ونال رضا الجميع، والخيّام فيلسوف إيراني الأصل لكنه سنّي المذهب، وفارسي اللسان لكنه عربي الشعر والفصاحة، وعلمانيّ الظاهر لكنه عرفانيّ الباطن، ولذا تخلدت رباعياته المشهورة وهي عبارة عن أبيات من الشعر متناسقة القافية تبدأ ببيت باللغة العربية، ويكمل الشطر الثاني بالفارسية، ورباعيات الخيّام تتلذذ بالعشق والمجون في الظاهر لكن مراميه تنشد العشق الإلهي حتى الثمالة.
استوقفتني رباعيات الخيّام ومجتمعنا يرصد حالة كسيحة من التخندق الطائفي، والعور السياسي في الموقف والرؤى والتحليل وحتى الأخلاق الوطنية، وكأن كل فريق يقرأ شطراً واحداً من رباعيات الخيّام بحسب أهوائه الفكرية وميوله الطائفية، ويفسر ظاهر الأبيات الشعرية بالسطحية التي تخدم ما يحشد له ضد الآخرين، ولذلك فإن روعة رباعيات الخيّام تذبل إذا ما تجزأّت أو بترت، فلا تفقد جمال معناها وعمقها الأدبي فقط، بل حتى فلسفتها ومقاصدها.
حدثان محليان وإقليميان يعكسان هذه التلقائية الطائفية المبرمجة سلفاً، فقد رأينا ردة الفعل على اكتشاف أسلحة “العبدلي” كعاصفة هوجاء، وإبداء الشعور بالخوف على البلد من المخاطر الجسيمة المحدقة بنا ومصدرها الشيعة طبعاً باعتبار خلية العبدلي تضم مواطنين من هذه الطائفة، وسرعان ما تم اكتشاف مخزن “كبد” لتتبدل الآية تماماً وتثور الثائرة بالخطر الحقيقي من القبائل والسنّة، وتبدّلت مواقع الطيور على الرؤوس بالتناوب.
أما الحدثان الإقليميان فهما الخلاف الكويتي-السعودي حول حقل الخفجي والوفرة، ثم الخلاف الجديد الذي أثير بين الكويت وإيران حول حقل الدرة، وطبعاً تفاوتت وتناقضت ردود الفعل على طبيعة الخلافين وبشكل صريح وواضح، وبالتأكيد من منظور طائفي وعرقي لا يحتاج إلى دليل، وهذا يشمل أيضاً مصدر الخوف والقلق هل يأتي من الجنوب أم الشرق؟ وأيضاً تتبدل مواقع الطيور على الرؤوس من جديد، فـلماذا تختلف “العبدلي” عن “كبد”؟ ولماذا تختلف “الخفجي” عن “الدرة”؟ فراحت بين “ذين وذين” الهوية الوطنية والمصلحة الكويتية وطرق الدفاع عنها وحمايتها، ولم يبق من رباعيات الخيّام إلا جمهور كل شطر يصفق ويطرب وكأنه الأطرش بالزفة!
لماذا لا ننسج رباعيات كويتية تحمل في كل شطر منها معزوفة تمثل كل شريحة من شرائح مجتمعنا الصغير، ونصهر فيها همومنا ومخاوفنا وطموحاتنا وسبل علاج مشاكلنا حتى يخلدها التاريخ الكويتي كما خلّد غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام منذ عام 1131م، وفي مثل هذه الأبيات الجميلة التي يدعو فيها إلى الإصلاح الاجتماعي بين البشر:
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال أهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقل
واسكب على الأرض دواء الجَهول