الوضع العام في البلد مريض بوباء الخلافات المذهبية والفئوية رغم الكثير من الجهود التي تبذل من أجل وضع حد لهذا الشعور النفسي، وعلى الرغم من وجود رموز وشخصيات وأعداد كبيرة من المواطنين الذين يتمتعون بأخلاق وسلوك وطني ومهذب فإن طغيان التعصب وصوته العالي دائماً يكون سيد الموقف، فالناس يشدها الرأي النشاز ويستقطب انتباهها الكلام القبيح، ووسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في تدفق المعلومات والآراء بانتشار سريع، فالتغريدة والرسالة النصية والمقطع الإلكتروني تصل إلى الناس فرداً فرداً، كل على جهازه الخاص، بل إن الرسالة الواحدة ترسل مرات ومرات.
انفجار الاحتقان أياً كان شكله حالة موسمية، ينتظر أي حدث وإن كان فردياً أو عابراً، لينعكس انفعالاً تلقائياً نتيجة لأجواء التعبئة والتحريض، وتتراجع هذه الوتيرة بعد التشبع والملل بانتظار مناسبة أخرى لتعاود الظهور.
اهتزت الكويت خلال السنوات الأخيرة مرات عدة، وفي كل مرة تستهدف شريحة معينة بأبشع صور التجريح والتشهير والسخرية مع المبالغة وترويج المعلومات الزائفة والمغلوطة، وتتحول الأخطاء الفردية والممارسات السياسية وما تتبعها من ملاحقات وإجراءات قانونية إلى مادة تشغل الرأي العام ليل نهار، بحجم من المعلومات والأخبار حولها لا يفوق حجم الجهة المستهدفة فقط، بل كيان البلد الصغير بكل مكوناته ومؤسساته، ولذا يتحول الوضع إلى كابوس يثير الغضب العام والقلق المتزايد، فيختزل الأمر في كل مرة بمقولة «الله يستر علينا» كدلالة كويتية على عظم المشكلة والخوف من تداعياتها التي لا يتحملها أي مواطن يعيش في ظل استقرار نسبي، ورفاهية معيشية لا تتوافر عند معظم شعوب العالم.
تكمن المشكلة في رأيي في العقل الباطن الكويتي الذي امتلأ بالشك والتشكيك والكراهية المبطنة، والتنشئة التحريضية، وجدران العزلة بين مكوناته الاجتماعية المختلفة، وهذا موروث تاريخي، ورغم عدم قدمه كثيراً لكنه وعاء ينضح ما في داخله مع كل حدث، كما نرى ونستشعر جميعاً، وأيضاً كما نعيش يومياً مع الأحاديث الخاصة والتعبيرات اللفظية والانطباع عن الآخرين، والموقف منهم في معظم البيوت.
هناك عاملان أساسيان لتأجيج هذه النفسية المشحونة: العامل الأول يعكس فشل الدولة وحكوماتها المتعاقبة في تأصيل الهوية الكويتية الوطنية ومتطلباتها وتطبيقاتها، بل العمل أحياناً كثيرة على تأليب طرف على الآخر، أو الدخول في تحالفات مؤقتة لتهميش أو إضعاف فئة لدواعي الولاء السياسي الضيق أو لمصالح وقتية، الأمر الذي لم يسلم منه أي مكوّن كويتي أو قوة سياسية أو اجتماعية منذ الاستقلال حتى يومنا هذا.
أما العامل الآخر فيتمثّل بكثرة الأخطاء من الجميع، وإذا أخذنا واقعنا الحالي نجد أن السجون والمعتقلات والإجراءات القانونية حصدت أبناء الأسرة الحاكمة ذاتها وأبناء القبائل والسنّة الحضر والشيعة والمنتمين إلى القوى السياسية والأيديولوجية دون الخوض في تفاصيل أو استحقاقات هذه الإجراءات أو الموقف الشخصي منها، ولكنها حقيقة تدل بوضوح أن البلد في حالة من الارتباك الشديد، والقانون العام في أضعف حالاته، ولذلك يحاول الجميع أن يستظل ويحتمي بالدائرة الضيقة التي ينتمي إليها، وإن كان ذلك على حساب الآخرين، ومحصلة هذين العاملين أن البلد برمته يزداد ضعفاً، ويتحول إلى كيان هامشي وسطحي، وتكون حالات التعصب والانفعال مجرد سمة من سماته الخطيرة!!