جميل جدا في موقف غريب أن تلتقي بشخص ما مصادفة، لا تعرفه ولا يعرفك، والأجمل عندما تكتشف أنه يتحدث بعقلانية ومنطق وبحرقة قلب أثناء الحوار معه من دون أي حدود ولا قيود معينة ولا مصالح خاصة.
بدأ الموقف هكذا، جلست في أحد المقاهي أنتظر صديقي، فجاء رجل خمسيني وطلب الجلوس بجانبي فسمحت له، فأخذ يقرأ إحدى الصحف المحلية ويتذمر حتى قال بسخرية وهو ينظر لي «ما راح نتعدل أبدا ما دام قاعد نضحك على أنفسنا».
فسألته.. عسى ما شر أشوفك قرأت الصحيفة وتضايقت؟
قال نعم لابد ان نحزن على أنفسنا ونجلد ضمائرنا لأن الأمور تتجه إلى الأسوأ بسبب فوضى التعصبات والفزعات وصراعات الكراسي التي باتت من أبرز الأسباب التي دمرتنا تنمويا واقتصاديا واجتماعيا والتي جعلتنا في معارك لا تنتهي واتباعها جهلة، ونيرانها دائما ما تكون صديقة، حتى أن هذا الكرسي بدلا من أن يكون هماً لشخص يسعى لإصلاح بلد تحول إلى فتنة وهم لقبيلة وعائلة وطائفة، وكأنه مكسب شخصي يدر المنافع الخاصة إلى خزائن من يفوز به.
كلامه شدني، وجعلني أدخل معه في حوار غني بالحقائق والصراحة، فسألته: هل هذه القصة وليدة تلك المرحلة على بلدنا؟ فالمحاصصة أمر واقعي لأسباب تتعلق بالتوازن الاجتماعي الذي يتمثل في الترضيات بين فئات المجتمع حتى لا تزعل أي فئة، والمحاصصة أصبحت عنوانا معتقا في قصتنا وما يدور في فلكها السياسي.
فماذا نفعل هذا واقعنا؟ أليس الأنسب أن نجد الحلول الواقعية التي تتناسب مع وضعنا وما نعانيه من خلل مجتمعي وعقليات متحجرة للأسف دائما ما تحصر المنافع الخاصة بشخوصهم؟
فرد قائلا، يا عزيزي وما فائدة هذه المنافع إذا ضاع الوطن؟ فما فائدة إذا كنت مليونيرا أو مليارديرا او حتى إذا كنت تملك جنسية أخرى إذا ضاع الوطن؟
تأكد تماما لا أموال ولا عقارات ولا كنوز ولا حتى وطن آخر يعوض أي مواطن عن حضن الكويت الدافئ بالأمن والأمان وراحة البال، والأسباب معروفة ولا داعي إلى سردها، والغزو أفضل مثال، فكرامتنا تتمثل في أرضنا بمعنى اننا من دون الكويت لا نساوي شيئا مهما ملكنا من ممتلكات، لكن الأهم أن أطرح تساؤلا: ماذا تعني لنا الكويت بالضبط كي نفهم القصة.. هل هي بلد حقول نفطية فحسب؟.
لأن للأسف ما أشعر به من البعض بأن هذا البلد تحول لمجرد بقرة حلوب ليس أكثر، الفساد المالي والإداري وعدم المبالاة وفقدان الضمير وكل هذه المصائب تتفشى وكأننا في حلبة سباق، والمتسابقون يجتهدون من أجل فوزهم الشخصي تاركين الفوز الأكبر في انتصار وتطور بلدهم وانتشاله من فوضى الأنانية الذاتية التي ابتلي البلد بها بسبب الديموقراطية التي لا تناسب ممارساتنا أبدا.
فقلت أليست الحكومة هي السبب؟ فرد سريعا نعم الحكومة تتحمل جزءا كبيرا من مشاكلنا ولكن الحكومة من هي بالضبط؟
الوزير والوكيل والوكيل المساعد والمدير والمراقب ورئيس القسم والموظفون جميعهم يشملهم المسمى الحكومي وهم أشخاص من الشعب أيضا، ولكل منهم مهام عليه أن يعرفها ويعمل بها من دون خلط بالصلاحيات وخلط في تحميل المسؤولية للآخر، ولو كان رأس هرم السلم ذو كفاءة وضمير وطني سيدفع من هم تحت سلطته إلى الإصلاح تحت مبدأ الثواب والعقاب، وهنا أيضا تقع المسؤولية على الشعب فإذا انصلح الشعب سيتم اختيار نواب أمة قادرين على محاسبة السلطة التنفيذية على أخطائهم وليس كما هو دارج اليوم من البعض المحاسبة تستخدم للابتزاز السياسي من أجل منافع خاصة.
تأكد تماما ان المراقبة الشعبية الفعالة والوطنية لا تأتي بالشعارات والإصلاح «بو نص كم»، بل تأتي بثقافة سياسية صالحة خاصة إذا ابتعدنا عن فوضى التعصبات في اختياراتنا الفوضوية، ومن هذه النافذة قد نحد من المحاصصة وقصص الترضيات، لكن إذا استمرت فئات الشعب متعصبة لتلك المحاصصة فالأولى علينا ان نصمت إذا جاءت قيادات ضعيفة لا تملك رؤية إصلاحية لأننا نحن أحد الأسباب التي ساهمت في التدهور.