في الأول من أغسطس/ آب الجاري، كتب الزميل راشد الغائب في عموده «تيارات» بالزميلة «البلاد» تحت عنوان :«الغزو.. هذولا عيالي»، بضع إضاءات صغيرة لكنها مهمة على صعيد القراءة الدقيقة لما يحيط بمنطقة الخليج العربي تحديداً من مخاطر وتحديات كبيرة تستلزم فعلًا حقيقياً – كما اختتم الغائب – لـ «إعادة التذكير، بدروس كويتية في كيفية تجاوز المحن والمصاعب، من أجل إعادة بناء الدولة والتئام الشعب، والحفاظ على أمن الوطن ووحدة المجتمع، من شرر الفتنة والانقسامات» (انتهى الاقتباس).
من بين تلك الدروس المستخلصة من ذكرى غزو الكويت الغاشم في الثاني من أغسطس 1990، ما يمكن الاستناد عليه كمنطلق خليجي بل وعربي وإسلامي، في تحصين الجبهة الداخلية للأوطان، فأبناء الوطن بكل أديانهم وطوائفهم هم الحصن الحقيقي لصد كل المخاطر، وعبارة «هذولا عيالي» الشهيرة المدوية التي أطلقها سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في موقع التفجير الإرهابي عند زيارته لمسجد الإمام الصادق «ع»، تمثل قمة التعبير المخلص بإيمان وقناعة تامة بدور القائد الأب ربان السفينة في مواجهة الأخطار لأن يبقى الوطن الحاضن الأكبر لكل أبنائه في الملمات والشدائد.
وذات المحاور كانت موضع نقاشات وحوارات عديدة مع عدد من الإخوة والأخوات من دولة الكويت الشقيقة خلال الأسبوع الماضي في تواصلهم ورسائلهم وتعليقاتهم على محتوى كتابي المتواضع في طبعته الثالثة: «الكويت لا تنحني.. حكايات ومذكرات تتحدى النسيان»، والذي وثقت فيه ما كتبته من مذكرات وتقارير ومقابلات وحوارات في الأسبوع الأول من الغزو، بالإضافة إلى بضع كتابات أدبية، ومن محاسن الصدفة أن أحد الشباب الكويتيين المهتمين بتوثيق مرحلة الغزو، وهو الأخ جاسم الرشود، نقل من الكتاب الصفحة التي احتوت حواراً مع السياسي الكويتي البارز أحمد السعدون، وهذا ما دفع بكريمته الأخت شيخة السعدون للتواصل معي للحصول على النسخة المصورة من الحوار، فالهدف بالنسبة لها وبالنسبة لي قطعاً، هو الحفاظ على الوقائع والآراء واستشراف المستقبل والأطروحات في فترة الغزو، ونقلها إلى جيل الشباب، فهم الركيزة التي كلما قوي أساسها وترسخت مفاهيمها الوطنية، كلما أصبحوا سداً قوياً يصان به صرح الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.
بلا شك، كان هناك طرف من الأخوة يرى أن إعادة التذكير بمرحلة الغزو عاماً بعد عام، ما هو إلا نكث للجروح وشحن للنفوس في مرحلة من أشد المراحل حرجاً تعيشها منطقة الخليج العربي بل والأمة قاطبة، غير أن هذا الرأي الذي نكن له كل الاحترام، لم يضع في الاعتبار أن كل محطة ومرحلة وأزمة تمر على أي بلد من البلدان، تتحول إلى (صفحة من تاريخ هذا البلد أو ذاك)، وإن استحضارها كذكرى سنوية، يخرجها من إطار الآلام والأوجاع إلى مساحة أرحب، وهي تجديد الولاء والانتماء الوطني وتقديم نموذج رائع من الالتحام والتعاضد – كما هي قصة مقاومة وصمود شعب الكويت ومنها ملحمة بيت القرين – والتي جمعت كل مكونات الشعب الكويتي، لتزرع في النفوس أبعاد ملحمة تتجدد بقوة في وجه من يسعى لبث الفتنة والانقسام والصدام الطائفي والمتاجرة بالإرهاب المدمر ونشره تحت مسميات الدين والوطنية وغيرها من (تسميات كيدية)، وتعرض الوطن للتفتت والدمار.
مع شديد الأسف، وعلى رغم أن شعب الكويت خاصة، وشعوب الخليج والعرب يتفاعلون سنوياً مع ذكرى الغزو الغاشم بالصورة والوثيقة والأفلام الوثائقية والمقالات والقصائد والخواطر والمساهمات، ويطرحون دروساً مستخلصةً من تجربة الغزو ويسقطونها على واقع الأمة اليوم وما يتوجب على الدول والشعوب من عمل للتصدي إلى كل المخاطر التي تنال من الهوية والاستقلال واستقرار الأوطان وقوة وحدتها الوطنية، ينشط في الوقت ذاته، مجاميع من الناس، ومنهم شريحة كبيرة من أهل الخليج، يترحمون على المقبور صدام ويستحضرون بطولاته وملاحمه وشجاعته وتفانيه في خدمة الأمة، وهم يعلمون علم اليقين، بنفسهم الطائفي الكريه المقيت، أن صدام لم يكن سيفاً مسلطاً على الشيعة فقط، بل قتل من شعب العراق بسنته وشيعته وأكراده ومن كل الطوائف والملل الآلاف، وهم يعلمون أيضاً أن ترحمهم على صدام والتغني ببطولاته، يمثل وجعاً مؤلماً لأبناء وذوي شهداء الكويت، لكنهم يكتفون بالتبرير: «لقد أخطأ.. لكنه كان سيف العرب!».
ختاماً، فللكويت، قيادةً وشعباً وأرضاً وكياناً، ألماً تسجل في تاريخها الحديث منذ حقبة الغزو الغاشم، لكنه يتحول عاماً بعد عام إلى حالة إصرار على أن يكون الجميع سوراً للكويت، ولعل الرسالة التي يمكن أن نتشارك فيها مع شعب الكويت، أن تكون شعوب الخليج والعالم العربي والإسلامي سوراً لحماية أوطانها ومستقبل أجيالها من المؤامرات وهجمات الإرهاب والتكفير والفتن… فالتاريخ سجل الزمن، لحياة الشعوب والأشخاص والأمم.