إن المنعطف الذي تمر به الكويت، هو الانتقال من حالة دولة ريعية فاشلة إلى دولة قمعية ظالمة.
أما الدولة الريعية الفاشلة، فهي ما أشارت إليه افتتاحية جريدة الراي (22 مارس 2015)، من أنه «على الرغم من الوفرة المالية والفوائض المتراكمة، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في سوء الإدارة، أي طريقة إدارة البلد من قِبل السلطة التنفيذية».
الدولة الريعية، هي التي تعتمد على مصدر طبيعي، كالنفط، يوفر لها موارد مالية ضخمة، تمكنها من بناء اقتصاد مزدهر، ورفع مستوى الحياة الاجتماعية، إذا حظيت بإدارة جيدة وكفؤة ونظام قانوني سديد يطبَّق بجدية… أما إذا ساد البلد سوء الإدارة، فتتحوَّل نعمة وفرة الموارد إلى نقمة أو لعنة، وفق توصيف الاقتصاديين، فتعمُّ المجتمع الشكوى العارمة، لشيوع الفساد الذي لا تحمله البعارين، وتتراكم المشاكل الاجتماعية، وتزداد حدة، كمشكلة ندرة السكن، بسبب غلاء أسعار الأراضي وتكاليف البناء، وتمتد إلى تدني مستويات التعليم وفوضى المرور وصعوبة استخراج أي موافقة على أي شيء من إدارات الدولة، إلا بالرشوة… وهلم جرا، وتصبح الدولة، رغم غناها ووفرة مواردها وارتفاع فوائضها، دولةً فاشلةً، بسبب سوء إدارتها من قِبل السلطة التنفيذية العاجزة.
عنف غير مبرر
اليوم، نشهد أحداثاً تشير إلى أننا نضيف إلى صفة الدولة الريعية الفاشلة صفة الدولة القمعية الظالمة.
وما حدث مساء يوم الاثنين في ساحة الإرادة مؤشر على ذلك، وهو لجوء قوات الأمن إلى استخدام العنف غير المبرر، فالتجمُّع كان سلمياً، واتفق المجتمعون على إنهاء الندوة وفض الاجتماع، بعد أن علموا بأوامر قوات الأمن، بمنع تزويد الاجتماع بالكراسي وأجهزة الصوت، وأثناء بداية الانصراف لجأت قوات الأمن الموجودة بكثافة إلى استخدام العنف مع الموجودين، ومن همّوا بالانصراف، وإذا أضفنا إلى ذلك قائمة المقبوض علهيم، رهن التحقيق والأحكام الصادرة بحق سجناء الرأي وملاحقة المغردين، فنحن موعودون بزيادة أعداد المساجين والمحتجزين والمُلاحَقين، التي قد تعجز السجون ومخافر الشرطة عن استيعابهم، فأعدادهم أصبحت بالمئات، وهي حالة لم تشهدها الكويت في تاريخها.
عصا الأمن الغليظة
استخدام السلطة لعصا الأمن الغليظة ضد التجمعات استند إلى حكم المحكمة الدستورية، الذي صدر أخيراً، والقاضي بأن عقد الاجتماعات العامة أو التجمعات في الميادين، يتطلب الحصول على ترخيص مسبق من السلطة الإدارية، وفقاً للمرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979، وهو حكم يناقض حكم المحكمة الدستورية الصادر في 2/5/ 2006، الذي قضى بعدم دستورية 15 مادة من ذلك المرسوم بقانون، وخصوصاً المادتين 1 و4، اللتين اشترطتا الحصول على موافقة السلطات الإدارية لعقد الاجتماعات والتجمعات، وكان حكماً متميزاً في حفظ حقوق المواطنين في عقد الاجتماعات الخاصة والعامة السلمية، من دون الحاجة إلى ترخيص من السلطة، إعمالاً بنص المادة 44 من الدستور، بأن «للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».
حكم المحكمة
ورأت المحكمة، برئاسة المستشار راشد الحماد، وعضوية المستشارين يوسف الرشيد وفيصل المرشد وكاظم المزيدي وراشد الشراح، أن عدم دستورية هذه المواد يعود لإخلالها بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور، إذ جهل حدود الاجتماعات العامة التي يسري عليها بموجب المادة الأولى، وجعل الأصل هو منع الاجتماع العام، ما لم يصدر به ترخيص، والإباحة هي استثناء، وذلك خاضع لسلطة الإدارة المطلقة حيال هذه الاجتماعات، من دون حد تلتزم به، أو قيد تنزل على مقتضاه.
وشرحت المحكمة رأيها، بأن النظام الديمقراطي الذي نصَّ عليه الدستور، أكد شعبية الحكم والسيادة الشعبية، وهي جوهر الديمقراطية، التي تتحقق برقابة الرأي العام على السلطات، وأن حرية تكوين الجمعيات والنقابات والاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات وتقديم العرائض إلى السلطة العامة… وكل ذلك هو من مقومات الرقابة الشعبية على الحكم.
معالجة الأسباب
هذا ما جاء في حكم المحكمة الدستورية، آنذاك، التي قضت بعدم دستورية 15 مادة من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979، الذي ناقضته المحكمة الدستورية الحالية، بحكمها الذي أُخِذ بالأغلبية، حيث اعترض عليه اثنان من أعضاء المحكمة، كان رأيهما أقرب إلى رأي المحكمة الدستورية عام 2006.
في الختام، إن الاحتجاج على قرارات السلطة، ومواقفها حق كفلته وثيقة حقوق الإنسان ودستور الكويت لعام 1962.
وبدلاً من أسلوب القمع وتكميم الأفواه وإسكات الرأي الآخر، على السلطة العمل على معالجة الأسباب التي تدفع الناس للاعتراض والاحتجاج على قراراتها ومواقفها.