عندما كنا بـ«الطعشات» وهذا تعبير مستخدم في دول«الهلال الخصيب» وهي سوريا ولبنان والعراق والأردن وفلسطين ويعني طريقة نطق الأرقام من «ثلاثطعش» وحتى «تسعطش» أي حينما يسألك أحد عن عمرك فتقول ..«ستطعش» فهذا يعني أنك في ..«الطعشات»، وفقا لتراث شعوب ذلك «الهلال الخصيب» الذي حلم بتكوينه ذات يوم «أنطون سعادة» مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، بل وزادت طموحاته وأطماعه ليضم إليه جزيرة « قبرص» ويجعلها «النجمة» التي تزين شكل«الهلال» في علم تلك الدولة الكبري،الهلال الخصيب الآن صار هلالا مخضبا بالدم و«أنطون» مات مشنوقا في بيروت.
مرة أخرى عندما كنا في «الطعشات» قرأ علينا مدرس التربية الإسلامية ونحن في المرحلة المتوسطة قبل نصف قرن هذه الحكاية التي تقول: يٌحكى أن رجلا صالحا كان يعمل حطابا ويعيش في غابة جميلة ذات يوم سمع إن قوما يعبدون شجرة فأخذ فأسه وذهب ليقطعها فظهر له «إبليس وعياله» فقالوا له:«لن نسمح لك» كما سمعناها من قبل «بعض الناس» فغضب الرجل الصالح ودخل في عراك معهم فكسر ضلعا لإبليس، وكسر عظما في جسد كل واحد من عياله فاستسلموا لكنه كان تعبا من الشجار فقرر تأجيل قطع الشجرة التي يعبدها الناس إلى يوم غد وهكذا صار، في اليوم الثاني تكررت الحكاية واعترض «إبليس وعياله» و.. «لن نسمح لك» فتعارك معهم وكسر لهم الأضلاع والعظام فتعب وقرر تأجيل أمر الشجرة إلي اليوم الثالث!!
في صباح اليوم الجديد عادت الحكاية ذاتها وابتدأ العراك لكن فجاة شعر «إبليس وعياله» أنهم يدخلون معركة خاسرة مع هذا الرجل الصالح، فقالوا له:«اترك الشجرة وحين تستيقظ من النوم فجر كل يوم مد يدك تحت وسادتك وستجد كيسا من الذهب» تشاور الرجل الصالح مع نفسه وقال لها: لم لا أجرب صدق كلامهم هذا؟ فإن كذبوا فسوف «أحضر فأسي وأقطع شجرتهم»! تحقق ما قاله «إبليس وعياله» وصار هذا الرجل الطيب يجد كيسا من الذهب كل يوم تحت وسادته ومر أسبوع وتلاه آخر وشهر بعده آخر، وذات يوم مد الرجل يده تحت وسادته فلم يجد كيس الذهب فأخذ فأسه وتوجه ليقطع الشجرة فظهر له «الجماعة» وهم يضحكون وسألوه: « ماذا تريد»؟ فقال:«أقطع شجرتكم»، فقالوا له: «لن نسمح لك» فابتدأ العراك وما هي إلا دقائق حتى «بطحوه أرضا» وكسروا له ضلعا وعظما وأنفا وأصبعا فاستغرب وسألهم:« لماذا هزمتموني وكنت أهزمكم وأكسر أضلاعكم وعظامكم»؟! فقالوا له: «لأنك كنت تقاتل من أجل قناعتك وإيمانك فتنتصر علينا ، وحين جئت تقاتلنا من أجل كيس الذهب اليومي الذي انقطع عنك، صرت تقاتل من أجل مصلحتك الشخصية وانتقامك.. فهزمناك»!.
يكمل مدرس التربية الإسلامية القصة قائلا:« فحمل الرجل الصالح سابقا فأسه على كتفه وغادر الغابة حزينا ومهموما، ومازالت الشجرة يعبدها أهل الضلال إلى يومنا هذا لأن أطماع الناس وجشعهم أقوى دائما من إيمانه»!!
أُشفق على الذين كانوا مع «ناصر» يساندونه ثم تركوه وذهبوا إلى «إبليس وإخوانه وعياله وجماعته» لأن كيس الذهب كان بريقه يخطف الأبصار ويذهب الألباب ، فتحول الإيمان إلى جشع والقناعة إلى طمع والكبرياء إلى .. خنع!!. شجرة «إبليس» مازالت قائمة والفأس مازالت ملقاة على الأرض تبحث عن « آيادي الزلم» التي تمسكها بإخلاص ، لكن صدق الشاعر الجاهلي الكبير حين قال في معلقته الشهيرة «ما ظل بها..زلم»!!