عندما تُدار الوزارة بالمزاج السياسي للوزير، فإن مبادئ العدل والمساواة تختل، وتحل محلها الشخصانية والمزاجية وما يتبع ذلك من ظلم وانتهاك لأبسط حقوق الموظفين. وهذا ما يحدث اليوم في وزارة الأوقاف، حيث وصل الأمر إلى تجاهل جعل الكويت مركز إشعاع عالمي للوسطية… ولعلنا ما زلنا نذكر الكلام الموجه إلى الأمم المتحدة، حيث نفتخر بأننا «.. أنشأنا في الكويت مركزاً عالمياً للوسطية»! ثم يتدخل المزاج السياسي، ليكون أول قرارات اللجنة العليا الجديدة للوسطية «الطلب من مجلس الخدمة المدنية تحويل المركز العالمي إلى إدارة تابعة لمكتب الوزير»، وفق كلام الأخ الفاضل د. عبدالله الشريكة (في رده المنشور في القبس ـــ العدد السابع من مارس 2015). وهكذا فرطنا في جعل الكويت مركزاً عالمياً للوسطية من أجل الرغبة في تصفية المركز الذي يُظن بأنه مركز لــ «الإخوان»!
كانت الوسطية – أيام الفترة التي قيل إن «الإخوان» يديرونها – معتدلة، وبعيدة عن التطرف، ولم يحدث أن أصدرت أي كتاب يحض على التطرف والخروج على الحكام؛ والسبب أن فكر وعقلية من يسمون «الإخوان» وسطية ومعتدلة، كما أن إصدار أي كتاب يستلزم إجازته من لجنة الكتب والمصنفات في وزارة الأوقاف، لكن تعالوا نرَ باكورة انتاج الوسطية في عهدها الجديد، حيث تم شراء آلاف النسخ من كتاب «النقض على مجوزي المظاهرات والاعتصامات» لمؤلفه د. عبدالعزيز السعيد، وهذا الكتاب ممتلئ بالأفكار التي تتناقض مع دستور الدولة وقانونها العام، وتحضُّ على إسقاط النظام العام الذي تقوم عليه الدولة، حيث يقول في ص 28 «.. وان كان (يقصد التظاهرات) لطلب الديموقراطية والدستورية، كما يردد في هذه الثورات القائمة فجاهلية..»! أي إن المطالبة بالديموقراطية واحترام الدستور أمر جاهلي! ويقول في ص 65: «وما في الدساتير الوضعية باطل، لأنه لم يكتسب شرعيته من الكتاب والسنة..»! ويقول في ص 108، رافضاً للانتخابات «وبعد هذا كله ينجرون خلف الانتخابات القائمة على الدساتير الوضعية، ويجعلونها الحكم فيهم وفي غيرهم، حتى لو خالفت النص والإجماع..». وبغض النظر عن موقفنا مما ذكر وتأييدنا من عدمه، فإن ما ورد يتناقض مع مبادئ وأسس يقوم عليها النظام العام في الكويت. للعلم، الكتاب من المفترض توزيعه على المساجد خلال الأيام المقبلة.
المزاجية دخلت أيضاً في إنهاء الخدمات والتعيينات! ففي الوقت الذي يُؤكد فيه المسؤولون حرص الوزير على عدم ظلم أحد ويقسمون على ذلك، نجد أنه يتم إنهاء خدمات 73 موظفاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية في إدارة الوسطية فقط! الغريب أن الموظفين المعنيين شعروا بما يُدبّر لهم فتحركوا للتمديد حتى نهاية عقودهم أو على الأقل حتى نهاية السنة الدراسية، لأن أكثرهم لديه عوائل وأبناء طلبة في المدارس، لكن المسؤولين قالوا لهم بالحرف الواحد إن الوزير رفض التمديد (!!). فكيف تدعون أنه حريص على عدم ظلم أحد ثم تعلنون لهم أنه هو من رفض؟! طبعاً كشف إنهاء الخدمات صدر في 3/5 اعتباراً من 3/31! للعلم فقط، 34 منهم متفرغون، وليس لديهم عمل إضافي! كما أنه سيتم إلغاء اقاماتهم فور إنهاء خدماتهم وفقاً للقانون! وللعلم فقط، الآن يتم تعيين موظفين بالوسطية في غرف مظلمة! حيث لا لجنة مقابلات رسمية ولا إعلان توظيف، كما تشترط الشفافية، ويتم التعيين قبل استكمال الأوراق.. إلخ من الفوضى غير المسبوقة! أحسن ما في الأمر هو طريقة تعيين العنصر النسائي في هذه الإدارة، والله يذكر تغريدتك بالخير يا مشاري!
• مطلق الوهيدة في ذمة الله
بعد مشاركتي في استجواب وزير العدل عام 1985 جاءني بعض أقربائي يعنفونني بسبب خروجي عما ألفوه في العهود الماضية من تبعية مطلقة للسلطة، وعلم بهذا الضغط الذي أتعرّض له مطلق الوهيدة، فأسرع إلى عباس مناور وأخذ بيده وقدما إلي، فقالا لي أنت خلقت جوّاً عاماً جديداً في مناطقنا وأسست مبدأ غير مسبوق في الموقف السياسي، لذلك اثبت على موقفك ولا تتراجع.
كان أبو محمد يحمل فكراً شبابياً مستنيراً في جسد كهل يجر خطاه إلى المجد، كان ثورياً في جميع مراحل حياته، ولكنه لم يجد من يشجعه، لذلك لم يرد أن أمر بمرحلته نفسها فكان دائماً يشجعني على مواقفي السياسية!
رحم الله مطلق الوهيدة، وغفر له، وأسكنه فسيح جناته.