الجزء الثاني: إخوان الكويت
تحدثنا في الجزء الاول عن مواقف الاخوان المسلمين في الخارج من غزو العراق للكويت، وبينا تباين هذه المواقف من قطر الى آخر، كما بينا ان معظم الأقطار كان للجماعة فيها مواقف ايجابية وتأييد للحق الكويتي عكس ما يُشاع عنهم من تأييد للغزو، باستثناء اخوان الاردن وبعض الرموز الذين انفتنوا بشخصية صدام وآلته الاعلامية، التي انخدعت بها معظم الشعوب العربية، وذكرنا كيف كان ذلك سبباً كافياً لاخوان الكويت لاعلان الانفصال عن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، وتأسيس الحركة الدستورية الاسلامية!
اليوم سأذكر باختصار شديد موقف اخوان الكويت من الغزو، وهنا سأميز بين الاخوان الذين كانوا متواجدين في الخارج أثناء الاحتلال، وبين أولئك الصامدين في الداخل، الذين منذ اليوم الأول، كما هي حال أهل الكويت، رفضوا الاحتلال وشكلوا لجان التكافل لادارة حياة الناس المعيشية في غياب الحكومة، وتشرفت شخصيا بجمع أهالي منطقة العمرية في مسجد معقل بن يسار ثاني أيام الغزو، وشكلنا تسع لجان لادارة الجمعية والجانب المدني والمعيشي، وقد شارك عموم الناس في هذه اللجان تحت اشراف رموز من شباب الاخوان آنذاك! ولعل من نافلة القول ذكر حادثة عرض النظام العراقي تشكيل حكومة كويتية تحت الاحتلال، عندما جاءني المغفور له فيصل الصانع، ممثل حزب البعث الكويتي، لينقل لي ـ مرغماً ـ طلب الحاكم العسكري العراقي علي حسن المجيد لنا بتشكيل حكومة تدير البلد بعد خروج الحكومة الشرعية. وكان قد عرض هذا الامر قبل عرضه عليّ على كل من الاخوين حمود الرومي وجاسم العون، حسب كلامه، وطبعاً رفضنا جميعنا هذا العرض، لايماننا بأن الكويت لن يحكمها الا حكامها الشرعيون الدستوريون آل الصباح الكرام، والذي لم يخالجنا شك في عودتهم عاجلاً ام اجلاً! وهذا الموقف خير دليل على من يفجر في الخصومة، ويدعي ان اخوان الكويت كانوا طلاب حكم!
أما اخوان الكويت في الخارج فلن تسع الحديث عنهم مجلدات، فمنذ اليوم الاول شكل الاتحاد الوطني لطلبة الكويت اللجنة الكويتية العليا free kuwait في لندن، وسيروا يوم 8/2 مظاهرة حاشدة سارت الى السفارة العراقية في لندن، وقد انضم اليها عدد من شباب الاسرة الحاكمة والكويتيين المتواجدين هناك آنذاك! وكانت شعلة من النشاط أبهرت العالم بتحركها السياسي والشعبي! وفي أميركا شكل طارق السويدان الهيئة العالمية للتضامن مع الكويت، وأنشأ عبدالمحسن العثمان واياد الشارخ فرعاً لها بالسعودية كان مصدرا للكويتيين هناك في توصيل أخبار الديرة الى عموم الكويتيين في المملكة لتثبيتهم وتطمينهم، ولن ينسى التاريخ زيارة وفد اتحاد طلبة الكويت برئاسة بدر الناشي، الذي زار التجمعات العربية في مانشستر ولندن ودبلن والجزائر، لنقل حقيقة الغزو الغاشم وكسب التأييد الشعبي للحق الكويتي!
ولعل زيارة المشايخ الثلاثة عبدالله العلي المطوع ويوسف الحجي واحمد الجاسر الى باكستان وبنغلادش وجنوب شرق اسيا، لتثبيت الحق الكويتي، أكبر دليل على حماس التيار الاسلامي في الكويت وتفانيه في هذه القضية!
ومن لا يذكر موقف الشيخ احمد القطان في الجزائر، ومن لا يذكر أول مؤتمر ينظمه اتحاد طلبة الكويت في الشارقة يناقش القضية بحضور مئات الممثلين للاتحادات الطلابية العربية والعالمية، ولعلنا نذكر الدور الكبير، الذي لعبه العم عبدالله المطوع ويوسف الحجي، لانجاح مؤتمر جدة، بعد ان كاد يفشل للخلاف على جدول اعماله!
لقد كان للتيار الاسلامي الكويتي، المحسوب على الاخوان المسلمين آنذاك، دور بارز في الدفاع عن الكويت وتحريرها، الذين في الداخل يداً بيد مع بقية أهل الديرة لتثبيت الناس ورباطهم، وادارة شؤونهم، الذين في الخارج، شبابهم وشيبانهم لم يتأخروا لحظة واحدة في بذل الوقت والمال والجهد لاعادة الحق المغتصب، في الوقت الذي كان غيرهم يتوارى عن الانظار، طالباً السلامة والدعة والراحة! نعم.. لقد كان البعض خارج التغطية قابعاً في زاوية شقته ينتظر ما ستؤول اليه الامور، واليوم وبعد الأمن والأمان يخرج لنا مفترياً على الذين لم يذخروا عن وطنهم والدفاع عنه ذرة، ومدعياً بأنهم كانوا متعاونين مع المحتل!
ناسياً ان التاريخ سجل كل الاحداث حلوها ومرها، وان الناس المعاصرين لتلك المرحلة مازالوا بين أظهرنا شهودا لنا لا علينا!
نعم.. في الحلقة القادمة، بإذن الله، سأبيّن موقف المتخاذل الحقيقي، الذي يحاول اليوم ان يزور التاريخ ويلوي عنق الحقيقة!