بادرة طيبة سجلها النائب السابق عبدالله النيباري في مفهوم التسامح والتسامي على الجراح عندما قبل اعتذار من أساء له وحاول اغتياله، فتنازل عن قضيته، وبموجب ذلك تم الإفراج عن المواطن سلمان الرومي والاكتفاء بمدة العقوبة التي قضاها في السجن، وفي المقابل إنها شجاعة كبيرة من الأخ الرومي أن يتقدم بالاعتذار العلني والندم على ما ارتكبه أمام الملأ… وبين هاتين الصفتين للنيباري والرومي كانت هناك مساعي أهل الخير لإغلاق هذا الملف بجهود مشكورة كللتها النوايا الصادقة بمثل هذا النجاح.
قضية الأخ عبدالله النيباري هزت الكويت في وقتها، وكانت شجاعة كبيرة من “أبو محمد” أن يتحمل في سبيل مبادئه ودفاعه عن الأموال العامة ما أصاب عافيته وحياته وأسرته الكريمة، ولكن شجاعة النيباري أكبر في قبوله مبدأ التسامح والعفو عند المقدرة، والنيباري ومن وقف وراء هذا الصلح أعطونا درساً بليغاً في الأخلاق العالية والشيم الكويتية وسجلوا مثالاً رائعاً في روحية التسامح، في وقت نستشعر أهمية وضرورة نشر هذه الثقافة حيث القلوب محتقنة والعواطف ملتهبة والأحقاد متفجرة بشكل لم يسبق له مثيل في الكويت.
العبرة من قضية النيباري والرومي، على الرغم من حجم المأساة، تعكس معدن العوائل الكويتية وتغليب المصلحة العليا على الجراحات الفردية، وتبين مدى حاجتنا إلى الوئام والاستقرار أمام تلاطم الموج العالي من الخصومات التي باتت تؤرّق كل بيت كويتي وتضع حاجزاً من الضبابية المتشائمة أمام عيون معظم الشباب، وفي زمن أغبر لا يعرف للتسامي والتسامح منهجاً للثقافة العامة.
نعم، الخطأ يعالج بالقانون، وفي قضية النيباري كان هناك قصاص عادل، وقضى السيد سلمان الرومي سنوات طويلة في السجن بعيداً عن أهله ومحبيه، وضاعت سنوات الشباب من سجل حياته، ولكن الرحمة الإنسانية للأطراف المعنية وضعت حداً لهذه المأساة، وجاءت أصداء هذه المصالحة لتضفي أملاً جديداً في علاقاتنا كبشر وروابطنا كأفراد في بلد واحد، ونتمنى أن يكون ذلك باكورة لنشر هذه الثقافة في أوساط الكويتيين جميعاً، وأن يكون نهج الحوار والمصالحة وهِمَّة الساعين إلى ذلك من معالم الحياة السياسية القادمة، فشكراً للنيباري وشكراً للرومي وشكراً لكل أهل الخير على هذا الدرس الأصيل!