ما ان تضامن العالم مع فرنسا، في ما تعرضت له من عمل إرهابي أوقع 17 قتيلا بين مدني وعسكري، من خلال مشاركة خمسين من قادته في مسيرة شكلت ظاهرة عالمية غير مسبوقة، حتى تعالت أصوات عدد من الاصدقاء «العقلاء»، ومن المثقفين والليبراليين، مستنكرين حجم ونوعية ذلك التضامن لسقوط بضعة «قتلى» في الوقت الذي يموت فيه الآلاف عندنا بعمليات مماثلة، من دون أن تفكر دولة في مشاركتنا العزاء. وركز غالبية المحتجين على ما تعرضت له غزة قبل اشهر من عدوان، وكيف تجاهل العالم مأساتها!
ولكن لو قرر زعماء حضور عزاء كل عملية إرهابية تقع في دولنا، لما بقي لديهم وقت للقيام بأي شيء آخر. كما أن الادعاء بأن ما يقترف من عمليات إرهابية في الغرب بأيدي غربيين أكثر بكثير مما يقترف من قبل مسلمين قد يكون صحيحا، ولكن الخطير في الأمر أن غالبية عملياتنا الإرهابية تقترف باسم الإله، وهذا يعطيها نوعا من الحماية ضد النقد الصريح، بل وتحظى بالتبرير، وغالبا بالصمت.
ويتحجج غيرهم بماضي فرنسا وأوروبا الدموي والإرهابي، وبتاريخ الكنيسة المظلم بحقنا. ولكن هؤلاء يتناسون تاريخنا الماثل في ظلمه، فهو لم يخلُ من القبح واقتراف المجازر يوميا، بحقنا والآخرين، وبالتالي علينا التوقف عن رمي بيوت الناس بالحجارة، إن كانت بيوتنا، إن وجدت، من زجاج!
إن العالم يحترم الدول التي تحترم شعوبها، ويحتقر أو يتجاهل الدول التي لا تكترث زعاماتها برفاهية شعوبها ولا بكراماتهم ولا بحقهم في الحياة.
ولو افترضنا أن مجموعة من قادة العالم حضروا لمشاركتنا العزاء في ضحايا عملية إرهابية ما، وقبل سفرهم طلبوا زيارة سجوننا، فما الذي سيجدونه؟ ولو طلبوا كشوفا بالمفقودين من مواطنينا، فما سيكون طولها؟ ولو سألوا كل أسرة عن سبب هرب ابنهم الى الغرب، فما الذي سيسمعونه؟ ولو طلبوا مقابلة بطاركة وكرادلة ورجال دين الاقليات في دولنا فما الشكاوى التي ستصدر منهم، غير الأنين؟ ولو استنطقوا سكان المدافن، وجثث المقابر الجماعية عمن قتلهم، فما الذي سيصل الى سمعهم غير النحيب المر؟
نعم من حقنا على العالم ان يشاركنا مآسينا ومصائبنا، ويحضر جنازات قتلى فتح الذين القت حماس بهم من على أسطح المباني، أو حضور مآتم العراقيين الشيعة الذين قتلوا بأيدي الشيعة، والسنة بأيدي السنة، والشيعة بايدي السنة، والسنة بايدي الشيعة، والعلويين بيد السنة، والسنة بيد العلويين، والحوثيين بأيدي القاعدة، والعكس، وغير ذلك من جرائم رهيبة قذرة اقترفتها أيدينا بحق انفسنا وغيرنا، وبأكثر مما ارتكبه الغير بحقنا. كيف يمكن أن يتناسى هؤلاء «المثقفون» حقيقة أننا فشلنا في ان نحترم حتى أقرب الناس الينا، وكيف اصبحت لغة النحر وجز الرقاب وسيلة التفاهم المفضلة بيننا، ولو لم نكن بكل هذه الدموية والتخلف، هل كان العالم سيستمر في تجاهلنا؟