ليس بمقدوري ككاتب إلا أن اكون إلى جانب حرية الرأي المطلقة، ليس فقط لقدسية الكلمة، ولكون الحرية فضيلة بشرية لا تعني الحياة شيئا من غيرها، بل وأيضا لما لها من دور حاسم في التقدم البشري وإطلاق العقل لآفاق التقدم والتطور. وبالتالي من السخف، وابعد ما يكون عن الإنصاف القول إن المجلة الفرنسية شارلي إيبدو كانت متخصصة في نقد أوضاع المسلمين والسخرية من رموزهم، وأنها كانت تمتنع عن التعرض لليهود. فالحقيقة أن سخريتها طالت الجميع من دون استثناء، ولكنها كانت تمتنع عن التعرض لما يمنع القانون الفرنسي التعرض له، كالسخرية من الهولوكوست مثلا. وبما أن القانون الفرنسي لم يمنعها من نقد رموز المسلمين والمسيحيين وغيرهم، بسبب عجز أو تقصير هؤلاء او عدم رغبتهم في الضغط على البرلمان الفرنسي (!) لإصدار تشريعات تمنع التعرض لهم، فبالتالي العيب فينا، وليس في تلك المجلة شبه المغمورة التي أصبحت أكثر من شهيرة ومقروءة بعدما تعرضت لذلك الهجوم الإرهابي غير المبرر.
من جانب آخر، من حق أي شخص كان، الشعور بالغيرة على دينه، وربما بالغضب الشديد، لتعرض وسيلة إعلامية لرموزه الدينية، ولكن هذا الغضب لا يصبح مشروعا إن تطور إلى عمل إرهابي، وألا نكون نحن البادئين بالسخرية من رموز الآخرين والحط من كرامتهم. فغالبية الدعاة ورجال الدين المسلمين، وقبل أن يعرف عالمنا شيئا عن الاستعمار وقصصه و«مصائبه» كانوا ولا يزالون يشحنون نفوس اتباعهم والمستمعين لهم والمتأثرين بهم من تلامذة ومريدين بخطب دينية تدعو لحرق زرع الكفار وتنشيف ضرع مواشيهم، وأن تترمل نساؤهم، ويتيتم أبناؤهم. هذا غير الدعاء عليهم بالأمراض والاسقام والهلاك، وفي الوقت نفسه الدعاء والطلب من الله أن يوفق المسلمين وينجيهم من المخاطر. والمقصود بالكفار هنا، حسب فهم بعض رجال الدين، اليهود والنصارى والوثنيين والملاحدة، وهناك نصوص تؤيد جواز الدعاء على الكفار ولعنهم، وهناك خلاف في شمول أهل المعاصي من المسلمين معهم أم لا!
وهكذا نجد أننا أحوج ما نكون لمراجعة تصرفاتنا، وألا نعترض على قيام الآخرين برمينا بالحجر إن كنا قد سبقناهم برميه عليهم. كما أن من الصعب توقع غير الآخرين، حتى بصورة تلقائية، احترام الآخرين لمعتقداتنا ورموزنا إن كنا أصلا لا نحترم رموزهم ولا معتقداتهم، ونزيد على ذلك بالدعاء عليهم يوميا، ولملايين المرات، بالبؤس والشقاء.. وحتى بالفناء!