لم يخطر في بالي ولم يدر في خاطري طوال فترة عملي المكثف كمتفرغ في الصحافة والتي بلغت 24 عاما ان تشهد الكويت في مجال الحريات التي تمثل الدعامة الرئيسية في دستور الكويت ودساتير العالم المتحضر الذي يفترض اننا ننتمي اليه او نسعى الى ذلك على الاقل، لم يخطر في بالي اننا سنشهد ما نشهده من مجازر اعلامية ونحن في عام 2015 بعدما اكملنا 54 عاما منذ الاستقلال واقل منها بسنة منذ وضع الدستور.
بعد كل هذه السنوات وكل ما شهدته من احداث اكتشفنا ان الصحافة والاعلام مجرد «شركة» تسن الحكومة سكاكينها للاجهاز عليها من دون حتى ان تقول بسم الله والله اكبر، وليست مشروعا ثقافيا تنويريا توعويا معبرا عن الرأي الذي كفل الدستور حرية التعبير عنه حتى لو كان مختلفا..والاعتقاد الذي وفره ذات الدستور لنا كحق حتى لو كان مغايرا.
بعد كل هذه السنوات اكتشفنا ان كيانا اعلاميا قديما عمره من عمر الدستور حيث صدر الترخيص الاسبوعي ل«للوطن» سنة 1962 قبل ان تتحول الى صحيفة يومية في 17 يناير 1973..هذا الكيان برمته وبمن فيه من عاملين وصحافيين وكتاب متفرغين ومتطوعين عددهم يناهز الالف في مهب «شخطة قلم» ينفث حبرا بلون الدم في وجوه من صدقوا حكاية «دولة المؤسسات».
بعد كل هذه السنوات اكتشفنا اننا مازلنا «محلك سر» إن لم يكن «للخلف در» ومجرد «مشروع تجاري» يعامل بصلف وجلافة لا تستقيم مع فكرة الاعلام الذي يجب ألا يكون متشابها ابدا مع دكان قصاب او محل بقالة ويطبق على الاثنين قانون واحد وقرار واحد.
المسألة اكبر من خلاف سياسي سيزول عاجلا او آجلا، واعمق من اختلاف وجهات نظر لن يدوم الى الابد، واكبر من تافهين وقصيري نظر يقولون لنا شامتين..«قلعتكم».
المسألة اكبر من جمعية صحافيين انصفتنا ليلا بوقفة تضامنية رائعة ثم نحرتنا صباحا بابلاغنا نيتها تجميد عضوياتنا ليحاول البعض انتهاز هذا الظرف الحرج لضمان الفوز في الانتخابات!!
المسألة هي الاعلام الذي كان مفخرة للكويت بين اقرانها والذي يراد له ان يعزف لحنا واحدا مشتركا..غير مدركين ان الاعلام مثل جهاز فحص نبض القلب..ان وجدت فيه حركة وصعودا وهبوطا فاعلم انه ينبض بالحياة حتى لو لم تعجبك حركته..اما اذا استقام في خط واحد (كما يراد له ان يكون) فاعلموا انه سيكون مجرد جثمان اعلام ليس فيه نبض وليس فيه حياة.
اعلم انني عندما اقول ما اقول ربما اكون مثل من يحرث في الماء..واعلم انني عندما اكتب ما اكتب ربما اكون مثل من يؤذن في مالطا..واعلم انني قد اسمعت لو ناديت حيا..ولن افقد الامل فبالتأكيد هناك «حياً» في مكان ما سوف يسمع هذا النداء وينقذ الاعلام مما يواجهه.