استكمالاً للعهد السعودي الجديد نركز اليوم على البعد الخارجي في السياسة التي نتمنى أن نرى بعض مؤشراتها بما يخدم استقرار المنطقة وازدهارها، وفي ظل الاستفادة من التجارب الماضية.
المملكة العربية السعودية عمق استراتيجي في منظومة مجلس التعاون، ومسيرة هذا المجلس بإجماع شعوب الدول الأعضاء لم ترتق إلى أدنى الطموحات الشعبية في برنامجها التكاملي، وعندما تم الإعلان عن الوحدة الخليجية فجأة ورغم كل هذا الإخفاق لم يتفاعل معها الناس، بل وقفت ضدها حكومات خليجية عدة، ولعل أحد أسباب الشعور السلبي تجاه الوحدة هو التخوّف من هيمنة الشقيقة الكبرى بدلاً من الشراكة الاستراتيجية.
المبادرات الخليجية تطغى عليها الهواجس الأمنية لا التكامل الاقتصادي والمشاريع التنموية المشتركة وفتح الأسواق، واندماج القوى الفكرية والنخبوية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا أيضاً مدعاة بأن يكون قلق الشعوب الخليجية من أي مشروع وحدوي باتجاه المزيد من القيود على الحريات العامة والشخصية، والرياض وحدها قادرة على تغيير هذه النمطية من خلال دبلوماسية رسمية وشعبية منفتحة على بقية الدول الصغيرة.
أمن الخليج لا يمكن بدوره أن يتجزأ عن مفهوم الأمن الإقليمي الشامل، حيث إيران شرقاً والعراق شمالاً واليمن جنوباً، والاختلالات السياسية بين المملكة العربية السعودية وهذا المحيط الجغرافي كانت ولا تزال العامل الأول وراء النفقات المالية الخيالية على السلاح والتسلح والتي فاق حجمها أكثر من 3 تريلونات دولار خلال العقدين الماضيين، وهذا الصرف المالي المخيف يمكن توجيهه إلى مشاريع عالمية حضارية وبنائية تخدم شعوب الإقليم، مع استبدال التوتر وسباق التسلح إلى إجراءات بناء الثقة تمهيداً لخلق فرص الأمن الإقليمي المشترك، والدبلوماسية السعودية هنا أيضاً قادرة على بلورة مثل هذه المفاهيم.
السياسة الخارجية السعودية وتقاطعاتها عربياً وشرق أوسطياً حملت تبعات مكلفة أيضاً، وفتحت الأبواب مشرعة على كثير من الملفات الشائكة سواء في العراق أو سورية أو لبنان أو مصر أو تركيا، مع عدم إغفال الدور الخارجي للدول المشار إليها طبعاً، ولكن مقومات السعودية تظل أكبر وأكثر قدرة على المبادرة والحوار، وأثبتت تجارب عدة أن الاتفاقات الثنائية بين الرياض وبقية العواصم تتوج بانفراجات وحلحلة لملفات معقدة ومستعصية.
أخيراً، الكثير من المؤسسات والتيارات الدينية في شرق العالم وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية مروراً بالمغرب العربي وانتهاء بأوربا حلبت الأموال الطائلة من السعودية باسم الدين والدعوة، لتنتهي بمخرجات فكرية متطرفة ومريضة، تحولت إلى ميليشيات للقتل والدمار وكل أشكال الإرهاب، حتى بات خطرها وتهديدها يصلان إلى حدود منطقة الخليج ومنها المملكة، ومثل هذا التمويل يفترض أن يوجه إلى مشاريع لإقامة مؤسسات إنسانية وفكرية ذات وجه حضاري يعكس سماحة الإسلام وفكر الحوار والتعايش السلمي ومحاربة آفات الحياة العصرية بشقيها المادي؛ كالأمراض والفقر والبيئة، والمعنوي كالتسامح والرقي الحضاري ودعم العلوم والثقافات الحديثة، وأيضاً إمكانات المملكة قادرة على بناء مثل هذه النماذج وفتح آفاق العالمية بوجهها المشرق، وكل ذلك مكاسب للسعودية وشقيقاتها بالتأكيد.