ذكرنا في مقالات سابقة عن خطورة الأطماع الإيرانية في الخليج، وبيّنا شواهد كثيرة على ذلك، ولعل تهديد الرئيس روحاني الأخير للكويت والسعودية دليل جديد على النوايا غير الطيبة التي يكنها الإيرانيون لبعض حكومات مجلس التعاون، وما حدث في اليمن مؤشر على ما يمكن للإيرانيين فعله. ومن يظن أن ما حدث هو صراع يمني – يمني، فإنه لا يقرأ الساحة جيداً. فكيف بميليشيات طائفية وقلة سكانية تتمكن من السيطرة على دولة بجيشها وعدتها، بل هو الدعم اللامحدود من إيران لهذه الطائفة لتتمكن من الإمساك بخاصرة جزيرة العرب ومن ثم ممارسة الابتزاز السياسي على أصوله! ناهيك عن «فلتات» لسان بعض أبواقهم الإعلامية المندسين في الجسم الإعلامي الخليجي! فقد صرّح أحد هذه الأبواق مبيّناً أن ما حدث في اليمن سيتكرر في بعض دول المنطقة. وزعم آخر إن إيران لن تقف ساكتة على اضطهاد الطائفة في الخليج، كما أن المؤتمر التضامني مع الشيخ علي السلمان والذي عُقد في لبنان يُعتبر بحد ذاته رسالة شديدة اللهجة للبحرين والكويت والسعودية، وتم فيه شتم بعض حكام الخليج بالاسم، وبيّن فيه الراعي الحقيقي لهذا المؤتمر نواياه التوسعية والعدوانية!
إنني أدرك أن دول مجلس التعاون تسعى من خلال سياستها مع إيران إلى إيجاد خليج آمن ومستقر، وهذا ما نتمناه ونسعى إليه، كما ندرك أن الجود من الموجود، وأن إيران دولة كبرى مقارنة ببعض دولنا الصغيرة، ولكن السياسة العدوانية التي تمارسها في المنطقة تجعلنا نحذر من القادم ومما يمكن أن تقدم عليه، خصوصاً أن الاعتماد على علاقتنا مع الأميركان أصبح نكتة مملة بعد التقارب الأميركي الإيراني في المنطقة، والذي كان اليمن أول ضحاياه! لذلك، لا بد من إعادة النظر في سياسة دول الخليج الداخلية والخارجية والتي أثبتت الأيام فشلها، فها هي شعوب المنطقة تزداد إحباطاً من مسيرة مجلس التعاون، وها هما اليمن وسوريا شاهد عيان على فشل سياساتنا الخارجية، حتى أصبحنا مكروهين من معظم الشعوب العربية بسبب تدخلنا السافر في شؤونها، وتحطيم إنجاز ثوراتها وربيعها!
اليوم، دول الخليج أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تستمر بنفس الأسلوب ونفس المنظور الذي سارت وما زالت تسير عليه، وهو تحديد عدو واحد للجميع، جماعة الإخوان المسلمين، ومحاربتها والسعي إلى استئصالها ليس من المنطقة فقط بل من العالم أجمع، وبسبب هذا المنظور ضاع اليمن وتم تثبيت بشار وانحاست ليبيا، علماً أن الإخوان المسلمين لم يطلقوا رصاصة واحدة على أراضي دول الخليج منذ نشأتها إلى اليوم، ولعلهم كان ممكن أن يكونوا الورقة الرابحة التي من خلالها تتم مواجهة المد الإيراني سياسياً وإعلامياً، والخيار الثاني هو أن تدرك هذه الدول العدو الحقيقي لها، والذي كل الشواهد تؤشر عليه بالبنان، وتبدأ ممارسة دور جديد من التعامل الحكيم معه، وهذا لن يأتي إلا بتقوية الجبهة الداخلية والسعي إلى التلاحم الشعبي بالاصطلاح مع الشعوب واحترام خياراتها!
لقد أثبتت بعض الدول الصغيرة أنها من الممكن أن تصبح كبيرة إذا مارست سياسة حكيمة داخلياً وخارجياً، ونحن في الخليج نملك من الإمكانات ما لا تملكه إيران وإسرائيل وسويسرا وغيرها من الدول التي أصبحت الدول العظمى تحترم إرادتها، وكل ما علينا فعله هو أن نتفق على مصالح شعوبنا! ولو كان همنا مصلحة الشعوب وقدّمناها على كل مصلحة، لتغير الوضع اليوم، ولأصبح العدو يحسب لنا ألف حساب، ولأصبح الجار يحرص على الجيرة رغماً عن أنفه!
اليوم نسمع أن إحدى دول الخليج رفضت استضافة مؤتمر مجلس التعاون المقبل، لأن موضوع الوحدة الخليجية على جدول الأعمال!