ما حدث في فرنسا الاسبوع الماضي جريمة بشعة بكل المقاييس الانسانية وهي ابعد ما تكون عن الاسلام والمسلمين، فالعرب والمسلمون هم اكثر البشر تعرضا للارهاب والدليل على ذلك ما يحدث اليوم من قتل وتشريد وضياع ومآس في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا وافغانستان وباكستان وغيرهم.
ما حدث في فرنسا هو نموذج من الارهاب المعولم العابر للقارات والحدود والامثلة على ذلك كثيرة منها عملية 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وتفجيرات لندن ومدريد في اسبانيا والارجنتين والهند وروسيا وفرنسا هذا الارهاب الذي انتشر في كل ارجاء المعمورة تكمن خطورته في كونه لا يملك حاضنة اجتماعية تدعمه وتؤيده وتتعاطف معه.
فلا نعرف حتى هذه اللحظة هل العملية الارهابية في فرنسا دافعها فردي قام بها اشخاص ينتمون الى احد التنظيمات الجهادية؟ الارهابيون في اليمن اعلنوا مسؤوليتهم عن هذه الجريمة.. وواضح جدا ان ارهابيي اليمن من القاعدة لا يحملون مشروعا فكريا أو عقائديا يوضح الهدف الحقيقي من اغتيال صحافيين ابرياء يعيشون في دولة ديموقراطية تعددية لا يلعب الدين أي دور في شؤونها السياسية، ربما هدف الارهابيين هو تعكير العلاقات المتميزة بين فرنسا والعالم العربي.
ما حدث في فرنسا خلق ردود فعل قوية في فرنسا، فالاحزاب اليمينية المتطرفة استغلت هذه الحادثة المؤسفة لتبدأ حملة ضد كل الاجانب الذين يعيشون في فرنسا بما فيهم العرب والمسلمون الذين يشكلون جالية كبيرة يقدر عددها بـ5 ملايين فرنسي مسلم، نحمد الله ان الحكومة والرئيس الفرنسي لديهم وعي وادراك لابعاد هذه الجريمة واتخذوا موقفا واضحا برفض الارهاب وعدم الخضوع له وحماية كل المواطنين في فرنسا مهما كانت خلفيتهم.
خطورة ما حدث في فرنسا تكمن في ازدياد الدور الكبير لشبكة الانترنت والتواصل الاجتماعي، حيث دلت التحقيقات الفرنسية على ان احد اخوة الارهابيين وهو الشقيق الاصغر كان يعمل من خلال الانترنت على تجنيد واستقطاب الجهاديين للعمل في سورية، وهذا الاسلوب نجحت به الدولة الاسلامية «داعش» في استقطاب الجهاديين من اوروبا وامريكا وحتى دول الخليج العربية.
الخبراء الغربيون يؤكدون على نجاح تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الجهادية على تطوير قدراتهم الامنية على الشبكة العنكبوتية وادارة التقنية وتنويع استخدامها للفضاء الالكتروني وبذلك فليس من السهل محاربة هذه التنظيمات الجهادية القادرة على اختراق الاجهزة الامنية عبر وسائل الاتصال الحديثة.
وأوضح الكاتب ممدوح الشيخ خبير الحركات الاسلامية في مجلة السياسة الدولية العدد 98 اكتوبر 2014 «ان ما يميز ظاهرة الجهاد الفردي انها لا تخضع للتنميط واعضاؤها ينحدرون من خلفيات اجتماعية متنوعة غير مهمشة اقتصاديا ولا تتوافر لدى الاجهزة الاستخباراتية قاعدة معلومات خاصة بها فأعضاؤها ربما يكونون خاملين في العالم الواقعي وناشطين في العالم الافتراضي ويتمتعون بقدرات علمية وتقنية عالية في مجال الاتصالات».
علينا في دول الخليج الا نكتفي بالتنديد ورفض الارهاب، بل علينا ان نتعلم الدروس والعبر من ما حدث في باريسا.. الارهابيون اصبحوا يتخذون نهجاً علمياً ويستخدمون وسائل حديثة.. هل تطورنا بحيث نستطيع ردعهم عن بلداننا؟