سياستنا الخارجية حافلة بأدوات دبلوماسية مهمة، خصوصا فيما يتعلق بالإنفاق المالي، فالمساعدات الاقتصادية وقروض الصندوق الكويتي والمنح والهبات من الصور العديدة التي تعد جسوراً في ربط علاقاتنا مع مختلف دول العالم، ولكن تبقى عوائد هذه الدبلوماسية شحيحة على دولة الكويت مقارنة بحجم هذه الإنفاقات الضخمة.
من أمثلة عدم استثمار الحكومة لدبلوماسية الدينار مساهمات الدولة في المنظمات الحكومية الدولية، ففي زيارة لوفد طلابي من قسم العلوم السياسية لجمهورية النمسا رتبت لنا سفارة دولة الكويت في فيينا مشكورة جولة تفصيلية لمختبرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من بين برنامج رائع، وهذه الوكالة تضم عدداً كبيراً من المعامل الفنية الحديثة التي تتابع القضايا والموضوعات ذات الصلة بأخطار الإشعاعات النووية، وكذلك الاستخدامات الإيجابية لها في مجال العلاج وتطوير الثروة النباتية والحيوانية. أشاد المسؤولون عن هذه الوكالة الأممية بإسهامات دولة الكويت السخية في دعم مشاريعها وبناء مختبراتها، واعتبروا أنها نموذج رائد في التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، وهذا بالتأكيد مصدر اعتزاز لنا جميعاً.
لكن ما فاجأني حقاً أن الوكالة الدولية للطاقة تقدم خدمات علمية وفنية غاية في الأهمية وبدون أي مقابل للدول الأعضاء، ومن بين ذلك التطوير الجيني في كل أنواع الزراعة بما يتناسب مع طبيعة التربة والمناخ لكل دولة على حدة وبحسب طلبها، لدرجة أن الوكالة تعد الشتلات النباتية جاهزة لزراعتها فوراً، ورغم هذه الخدمات المجانية لم تتقدم الحكومة أو الجهات التابعة لها وعلى رأسها الهيئة العامة للزراعة بأي طلب من هذا النوع، مع العلم أن التخضير يجب أن يكون على صدر أولوياتنا كما تعلن الحكومة دائما.
فكرة التعاون مع وكالة الطاقة الذرية لا تخدمنا فقط في برنامج التخضير ومواجهة تحديات التصحر والجفاف والحرارة والغبار، بل تشكل حجر أساس في موضوع الأمن الغذائي، حيث القدرة الكبيرة على زراعة كل أنواع الفواكه والخضراوات، بل حتى الانتقال إلى تربية الثروة الحيوانية وتطويرها.
المفارقة المحزنة هي أن الدولة قامت بتوزيع مئات الملايين من الأمتار المربعة على شكل مزارع وحضائر ومناحل وغيرها وبشكل تحوم حوله شبهات الفساد والتنفيع، ومن جهة أخرى تدفع مئات الملايين لدعم المنظات الدولية دون الحصول على خدماتها ولو المجانية، أي أن هناك خسائر مركبة من الجهتين.
لنتصور أن هذين المسارين تم التصرف بهما بروح مسؤولة ووفق رؤية عقلانية تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية فكيف ستكون حالنا؟ لذا نأمل من الأخ الفاضل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية أن يأخذ مثل هذا الأمر على محمل الجد، ففي ذلك الخير الكثير لبلدنا الذي بات يعاني ويستنزف من كل حدب وصوب!