يقال إن كل الدول الإسلامية متخلفة. وكل الأقليات غير الإسلامية فيها أقل تخلفا. وكل الأقليات المسلمة في الدول غير المسلمة أكثر تخلفا من الأغلبية. كما يقال اننا اصبحنا مصدر قلق ورعب للعالم، الذي أصبح لا يعرف كيف يتعامل معنا. فإن تنازل عن خصوصيته واحترم عقائدنا ومنحنا اللجوء اليه، فلا سقف لمطالبنا منه. وإن رفض مطالبنا، واصر على ممارسة حرياته في نشر وقول ما يشاء، حاربناه في عقر داره.
وهنا يقول المفكر الأميركي روبرت رايلي في كتاب «إغلاق عقل المسلم»، 2011، الذي لخصه باقتدار الاستاذ عبدالخالق حسين، وسبق ان تطرقنا له، ان السبب في تطرف المسلمين وتخلفهم يعود لسلسلة من التطورات بدأت في القرن التاسع الميلادي. وأن الحضارة الغربية ازدهرت ثم تفسخت في القرون الوسطى، لتنهض من جديد في عصر النهضة وتبلغ مستواها المتقدم الحالي، وما كان لهذا التقدم أن يحصل لولا اهتمام الغرب بالعقل. أما الفكر الإسلامي الذي بدأ في القرن 7 الميلادي، ورغم أنه حقق نهضة سريعة، وانتشر في افريقيا، والشرق الأوسط، ومناطق كثيرة أخرى، وأسس المعاهد العلمية والمكتبات، فانه، كأي حضارة أو ثقافة، انهار في النهاية، وكان ذلك في القرن 12 الميلادي، دخل العالم الإسلامي بعدها في ظلام لم ينهض منه حتى اليوم. وكان من الممكن أن ينهض ويعود لقوته في العهد العباسي مع صعود حركة المعتزلة بفكرهم العقلاني ودعوتهم الى منح الأولوية للعقل على النقل، وعلى فلسفتهم المرتكزة على أن الإنسان مخيَّر ويتمتع بالإرادة الحرة، لأنه يمتلك العقل الذي يميز بين الخير والشر، وأنه من دون الإرادة الحرة في الاختيار، فإن الإنسان غير مسؤول عن أعماله.
ولكن هذا التقدم الفكري وبداية النهوض قضى عليه ظهور مدرسة فكرية جديدة تسمى بـالجبرية، التي تقول ان الإنسان مسيَّر، ولا إرادة له في قراراته وأعماله. وهنا انتكست حركة المعتزلة العقلانية وزاد من محنتها أكثر انشقاق الأشاعرة عنهم في القرن التاسع الميلادي، وليأتي المتوكل بعدها ويضطهدهم ويأمر بحرق كل مؤلفاتهم، ومنها تراث العالم المستنير ابن رشد، وكانت حصيلة ذلك ردة في تاريخ الفكر العربي- الإسلامي، وبداية اغلاق عقل المسلم، والانحطاط الحضاري والفكري الذي تبعه، والذي لم يتعاف العقل العربي منه إلى اليوم.
وهكذا نرى أن ما يحصل اليوم من إرهاب دموي ديني في مختلف بقاع العالم على أيدي متشددين مسلمين ما هو إلا نتيجة لذلك الانغلاق والنفق المظلم الذي دخله الفكر الإسلامي قبل الف عام، ولا مفر من الخروج منه بغير الانفتاح على كل الحريات.