هذا المقال مستوحى من مقال للزميل المغربي سعيد ناشيد.
نحن ننافق عندما نطالب بتطبيق الشريعة في بلداننا، ثم نتكالب على أبواب السفارات طلبا للعيش في بلد علماني. وننافق عندما نطالب بزيادة تدريس المواد الدينية، ثم نسجل أبناءنا في المدارس الأجنبية. وننافق بوقاحة بالدعوة لأن ينال الكفار الخراب وعظائم الأمور، ثم نطلب المعونة منهم. ونشتم اميركا وأوروبا ونستخدم كل ما تصنعانه، وبعدها نتعالج بأدويتهم ونأكل من إنتاج حقولهم. وننافق في الابتهاج بوجود مساجد كبرى وفاخرة في قلب نيويورك ولندن، ونعتبره انتصارا للإسلام، ونراه انتصارا لحقوق الإنسان، ونرفض أن يقيم احد معبدا صغيرا في بلداننا.
ونكون في قمة نفاقنا عندما لا نرى ولا نكترث لتفشّي الرشوة وفساد الأجهزة القضائية في غالبية دولنا، ونغض الطرف عن التهرّب الضريبي وعن تبييض الأموال، ومافيات المخدرات والميليشيات الجهادية، ونسكت عن مهربي الأسلحة، ثم فجأة نرى الفساد في صورة تنورة قصيرة أو قبلة في صورة أو مطالبة نيابية بالتفكير، فقط بالتفكير، في عواقب منع تناول الكحول. كما أن النفاق هو، بالأرقام، يكون غالبا في المجتمعات الأكثر تدينا، فهي أيضا الأكثر فسادا في الإدارة، والأكثر كذبا في السياسة، والأكثر هدرا للحقوق، والأكثر تحرّشا بالنساء والأكثر اعتداء على الأطفال، ثم نأتي لنقول بأن سبب فساد الأخلاق هو نقص الدين.
والنفاق هو أن نشعل الفتنة الطائفية في العراق وسوريا وباكستان، وننفخ في نار الحرب القبلية في ليبيا واليمن وأفغانستان، ثم ننادي من أجل وحدة المسلمين. النفاق هو أن تعتبر كل نساء الأرض ناقصات عقل ودين، وعورات، وحبائل الشيطان، وحطب جهنم، إلا أمّهاتنا.
نؤسس شركات طيران ونبني جسورا ونفتح الحدود ونزيد في أعداد الطائرات والبواخر والحافلات لتنقل مواطنينا، ابناءنا وبناتنا، ليقوموا بفعل ما لا نود منهم فعله بيننا، ونحن ننافق ونعلم أين ولماذا يذهبون لتلك المدينة او الدولة في كل عطلة عيد.
ننافق عندما يحكم بالإعدام على مهندس موريتاني بسبب قول، ونتجاهل وجود آلاف من مزوّري الشهادات وسرّاق المؤسسات، وأولئك الذين نهبوا أوطانهم وجعلوها مفلسة وعاجزة.
ننافق عندما نقول ان لدينا دينا، ولكننا نتجاهل حقيقة أن ليس لدينا متدينون حقيقيون. وننافق عندما نستنكر جريمة الاعتداء البشعة والحقيرة على صحافيي ورسامي مجلة شارلي إيبدو، ونسكت في الوقت نفسه عن جرائم «القاعدة» و«داعش»، وفكر الإخوان ومن لفّ لفهم، وشدّ ازرهم.