قبل حوالي سبعة شهور، إتصلت بي دار نشر جامعة كورنيل الأميركية، وطلبت مني كتابة تعليق مختصر يظهر على غلاف كتاب “معاشات النفط: البرلمان والتطور الاقتصادي في الكويت والإمارات”.
“The Wages of Oil: Parliaments and Economic Development in Kuwait and UAE”.
كان الكتاب من تأليف صديقنا د. مايكل هيرب من جامعة جورجيا ستيت، وهو من أبرز الأكاديميين المختصين في الشأن الكويتي، وله في ذلك مؤلفات عدة، وهو ضمن عدد متزايد من الدارسين للتطور السياسي في الكويت.
قرأت مخطوطة الكتاب قبل صدوره، ثم كتبت التعليق حينها وأرسلته إلى دار النشر، من ثم تواصلت مع هيرب. يطرح الكتاب السؤال التقليدي: “لماذا هناك تطور سياسي ملحوظ في الكويت بسبب وجود برلمان لايقارن مع دول الخليج الأخرى، إلا أنها غير متحركة إقتصادياً، بينما العكس تماماً في الإمارات، وعلى الأخص دبي، فهناك تطور ملحوظ وتنويع في الاقتصاد، بينما لاتوجد حياة سياسية تذكر؟”.
يرى هيرب، أن التطور السياسي في الكويت وخاصة البرلمان يعبر عن اتجاهات ومصالح الطبقة الوسطى، وهي طبقة تعيش على نظام اقتصادي ريعي حكومي وتستلم معاشاتها من النفط، بالتالي ليس من مصلحتها تنويع مصادر الدخل، بل الإبقاء على الوضع على ماهو عليه.
أما في دبي تحديداً، فيرى بأن الطبقة الرأسمالية والنخبة الحاكمة مترابطتان بشكل كبير، بالتالي يتم تحريك الفضاءات الاقتصادية وبالذات في المجالات السياحية والخدمية.
يناقش هيرب بتفصيل مدعم بالكثير من الإحصائيات والمقابلات ظاهرة الغياب النسبي للسياسة في الإمارات، وحضورها الطاغي في الكويت، كما يقسم دول الخليج إلى مجموعتين الأولى هي “شديدة الريعية”، وهي الكويت وقطر والإمارات والثانية “الأقل ريعية”، وهي السعودية وعُمان والبحرين، ويرى خطأ شائعاً افتراض تماثل الدول الريعية في شكل أنظمتها السياسية، ويعرض نماذج لدول ريعية أخرى محاولاً استنباط الاختلافات.
ماالمخرَج إذا؟، في العموم هناك حاجة ماسة إلى التلاقح بين الاقتصادي والسياسي، في النموذجين، وأن النموذج السياسي الكويتي، الذي يراه هيرب متقدماً على غيره، قد يتحرك اقتصادياً في حال التركيز على دعم نمو القطاع الخاص المنتج، وليس الذي يعيد إنتاج الريعية.
الأسئلة مازالت مفتوحة، وهي ذات الأسئلة التي كنت طرحتها مع الصديق د. كيتل سفن، حول استمرار الأزمات السياسية في الكويت، والتي ستجد طريقها للنشر في كتاب خلال ٣ شهور.
دراسة هيرب، طرحت الأسئلة العميقة للخروج من حالة الجمود والتراجع والاحتقان في بلد يمتلك كل الإمكانيات للنمو الحقيقي، إلا أن نخبه السياسية يبدو أنها لم تعد معنية بأن الطوفان القادم لن يستثني أحداً.