لم يكن من المفترض أن يكون هذا مقالي الأول، بعد توقفي عن الكتابة لفترة قصيرة احتجاجا ويأسا من الإصلاح، والعودة عن قراري. ولكن كلمات ومقالات الزملاء الأعزاء إقبال الأحمد وخليفة الخرافي وموضي الحمود وأسامة سفر في القبس، وعلي البداح ووليد الجاسم في الصحف الزميلة الأخرى، إضافة لمئات الاتصالات والرسائل من كل المحبين، من داخل الكويت وخارجها، والذين لا تتسع مساحة هذا العمود المحدودة لذكر أسمائهم جميعا، دفعتني لتأجيل مقال العودة ليوم غد ونشر هذا المقال.
من الواضح ان الاعتراضات على توقفي عن الكتابة لم تتعلق بشخصي، وربما حتى بما كنت أكتب، ولكنها على الأرجح جاءت بسبب ما مثله شخصي المتواضع لـ القبس! فذلك الإصرار على مواصلتي الكتابة وعدم ترك الساحة لقوى التخلف نبع أساسا من تعطش هؤلاء، وأضعاف اضعافهم، لنسمة الحرية وأوكسجينها الذي قلّت كميته في السنوات الأخيرة بشكل مخيف. فالقوى الليبرالية والعلمانية، التي لي شرف أن أكون جزءا صغيرا منها، والقوى الوطنية بشكل عام بينت من خلال اتصالاتها وكتاباتها مدى اهمية استمرار القبس في دورها التنويري ضد قوى التخلف والردة، بالرغم من أنها تفتح صفحاتها لكل التيارات الأخرى تقريبا، وهذا من أبسط مبادئ الحرية المقدسة التي نؤمن بها، وهم لا يعرفونها حتى. وبالتالي كان النداء موجها لـ القبس بمجلسها ورئيس تحريرها، لكي تبقى حاملة شعلة التنوير، بعد ان بدأ سطوع بقية المشاعل يقل في الساحة، نقول ذلك ونحن على ثقة بأن الأمور في النهاية، وفي جميع الأحوال، نسبية.
إن المخاطبات بالرجوع عن قراري التوقف عن الكتابة كانت أيضا موجهة للحكومة لكي تزيد من مساحة الحرية، إن كان هدفها بالفعل خلق مواطن مميز، كما كان في العقود القليلة الماضية، والذي سلبته قوى التخلف تميزه وإبداعه، وإعادته لخيمة مظلمة في العراء.
وأنا هنا اطالب القبس بأن تستمر في أن تكون ليس فقط منبرا لكل الأقلام الحرة وحارسة للكلمة الصادقة وحاملة ثراء المعارف والقيم الجميلة، بل وأن تكون قبل ذلك فخورة بحمل شعلة الحرية، مع كل خفوت نورها مؤخرا، وأن تسعى لأن تعود الكويت لأهلها المخلصين لها، وكما يبدو، فإنها الأمل الأخير. فكما طالبتموني بالعودة للكتابة، فإن من حقي أن اطالبكم بمواصلة دوركم التنويري العظيم، وحمل شعلته التي يجب ألا تخبو أبدا.