ما بدأ مع ثورات الربيع العربي فتح طريقاً في منطقتنا لا عودة عنه، فبلادنا العربية هي آخر واحات اللاديموقراطية المقرونة بغياب التنمية وتنوع الفساد في العالم وهي اليوم في عين واحدة من أعتى عواصف التغير والانتقال في الكوكب. من هنا، فإن ما يقع في الكثير من الدول العربية مرتبط بطبيعة التحولات من حالة سياسية تسودها الهرمية والمركزية الأحادية والفشل الإداري والتنموي إلى حالة منقسمة على كل شيء قبل أن تصل الى صيغة جديدة فيها تمثيل أفضل وصيغ ديموقراطية. ففي العقود السابقة لم نطور أنظمتنا ومؤسساتنا لتزهر حقوقاً متساوية ومواطنة متزنة وتعايشاً صادقاً بين مكونات مختلفة، كما لم نحقق إنجازات تنموية تعود بالمعنى على الطبقات الشعبية، بل تلاعبت الدولة الأمنية المسيطرة على المجتمع بالنسيج الاجتماعي والحقوقي العربي وذلك للتعويض عن شرعية غير مستمدة من قاعدة انتخابية حرة. ما نمر به منذ عام٢٠١١ عملية معقدة وشاقة ومتعرجة وطويلة (سنوات وتتجاوز العقد) ولكنها في أسوأ حالاتها لن تعيد العرب الى كنف ما كان قبل الثورات، وما عودة مظاهر التسلط وخنق المجتمع المدني وملاحقة الحقوقيين، حيث تعثر التحول الديموقراطي والاصلاح السياسي، إلا شكل مرحلي لحالة سياسية ميزتها الأهم المفاجآت والتحولات. متابعة قراءة بين العنف والتغيير السلمي في العالم العربي!
اليوم: 23 أكتوبر، 2014
فيصل الدويش
كان الكثيرون يتحدثون عن تواضعه وعن حلمه وطول باله وسعة صدره، وكنت أقول في نفسي إنهم يمتدحونه لأنه شيخ وهم أقرباؤه، ولم يحصل أن قابلته وجها لوجه إلا مرتين فقط، ولم تتعد في كل مرة السلام عليه وتقبيل خشمه ورأسه بحكم سنه ومركزه الاجتماعي.
وتشاء الأقدار أن أتشرف بحواره في لقاء تلفزيوني في قناة «رواسي» على مدى حلقتين تحدث فيهما بكل شفافية وصراحة وكان في اللقاء يحرص في حديثه وردوده على أن ينصح الشباب بالبحث عما ينفعهم، ويركز على دورهم في خدمة بلدهم ويحثهم على ذلك. متابعة قراءة فيصل الدويش
ماذا لو ألغت الدعم؟!
يتحدث صديق متسائلاً من المستفيد الحقيقي من الدعم الحكومي للطاقة مثل الكهرباء والماء؟ إذا كنت تتصور أنه أنت أو أنا من الذين يسكنون في بيوت متوسطة أو في شقق عادية، فأنت واهم، فأنت تستفيد بدرجة بسيطة، المستفيدون الحقيقيون المنتفخة بطونهم من خيرات الدعم هم أولئك أصحاب المجمعات والمولات والصناعات، فمثلما تدفع فلسين للكيلوات كهرباء، يدفع مثل هذا المبلغ هؤلاء الكبار جداً، وإذا كانت الدولة تتكفل بفارق ألف دينار، مثلاً، بين السعر الذي تدفعه وسعر التكلفة الحقيقية للكهرباء، فهي تخسر آلاف الدنانير بدعمها لذات السلعة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة. هؤلاء في النهاية ليسوا أفضل منك أو مني في دنيا الاستهلاك الريعي، بل هم أكثر تكلفة في أسواق الأخذ والهدر دون مقابل، صناعاتهم وملكياتهم الكبيرة ليست نتاجاً لعمل حقيقي، ولا يقدمون إضافة حقيقية لرأسمال الدولة، فما نراه من منتجات لتلك الصناعات هي قائمة على الدعم الحكومي من منتجات بترولية أو غيرها، ويستحيل أن تنافس في أسواق خارجية لولا هذا الدعم الكبير، هم أكثر من المواطن العادي اتكالية على هبات الدولة ومنحها، وإن كانوا يظهرون أنفسهم بمظهر الحريصين على الإنفاق العام، ودائماً يحيلون مسؤولية الهدر العام لموارد الدولة على المواطن، وهو المستهلك البسيط، بينما يعلقون أوسمة البطولة والحصافة المالية على صدورهم.
يمضي صديقي، ويتطرف بحديثه ليقرر: ماذا لو حسبت السلطة مجموع الدعم كله الذي تقدمه لكل مواطن، ودفعت له مقابل إلغاء الدعم نقداً، فتقبض مثلاً، مقابل دعم الكهرباء والماء والبنزين والتموين خمسة آلاف دينار كل سنة نقداً، وأنت وشأنك في ما بعد، كيف تنفق مقابل الدعم، سواء قررت صرفه على استهلاك سلع الدعم كهرباء وماء وبنزين… إلخ، أو تشتري، بها، تذاكر طائرة وتسافر للخارج حتى تتنفس نسائم الحرية وتبتهج مع رؤية ألوان الطيف الجميلة بدلاً من اللون الرمادي المغم، السائد في دولة "الحمد لله مو ناقصنا شي"!!
أياً كان رأي صديقي في سخريته أو جديته، يبقى القدر المتيقن في اعتقادي، أن السلطة لن تقدم إصلاحاً اقتصادياً حقيقياً وهي تواجه، اليوم، أزمة انخفاض سلعة الدولة الوحيدة، مثل هذا الإصلاح، وكما أكرر، يتطلب تضحيات، ليس من المواطن العادي، فقط، والذي سيضحي في النهاية، حين يشاهد ويشهد على تضحيات الكبار بالقليل مما كسبوه، حين يطبق القانون بمسطرة واحدة، وحين تعمل إدارات ومؤسسات الدولة بحيادية مطلقة وبكفاءة، ولا تهيمن عليها سلطة التنفيذ وحدها دون شريك، وحتى يأتي هذا اليوم البعيد، ما علينا غير انتظار معجزة، أو ربما صدمة، توقظ النائمين في السطوح العليا، فماذا يتوقعون أكثر من صدمة اليوم المتجسدة في الأموال والحريات معاً…!
اليوم اليوم.. وليس غداً
لن أندم على أي شخص دخل حياتي، ورحل. فالمخلص اسعدني والسيئ منحني التجربة والاسوأ كان درسا لي، أما الأفضل «فقد أسعدني» ولن يتركني! (غاندي). *** دعانا صديق، انا وزوجتي، لتناول الغداء مع أسرته واخوته في الشاليه الذي اختاره ليكون بيته الدائم، بعيدا عن ضوضاء المدينة. أعجبني اختياره لأفضل مكان في الشاليه ليكون غرفة نومه وصالة جلوسه ومعيشته الشخصية، وترك الجانب الخلفي من الشاليه، الأقل فخامة، لضيوفه. ولم يسؤني ذلك، بل اثنيت على اختياره، فنحن غالبا ما نختار أفضل أجزاء البيت للضيوف ونحصر أنفسنا في زوايا ضيقة من البيت لا تتميز لا بمنظر ولا بأثاث جميل، وذلك لرغبتنا في التأثير على ضيوفنا وإبهارهم وإكرامهم بما يليق، وهذا جيد ولكن يجب ألا ننسى، في خضم كل ذلك، أنفسنا، فهم طارئون ونحن الأصل، فالبيت لمالكه وليس لضيوفه، وبالتالي من الغباء مثلا شراء أفضل أطقم تقديم الطعام وحفظها في الخزانة لحين قدوم ضيف لكي تستخدم لساعة مثلا وليعود الطقم الجميل ليحتل مكانه على رف الخزائن بانتظار ضيف آخر، قد لا يأتي ابدا، ونغادر الحياة والطقم على وضعه، او «حطة ايدك»! وبالقدر بنفسه من السذاجة، فإن الكثيرين يختارون أفضل المفروشات وأغلاها ثمنا ليضعوها في صالة الاستقبال الرئيسية، ولا تستخدم إلا عندما يزور البيت ضيف ما، وغالبا ما تبقى هذه المفروشات مغطاة، خوفا من أن تتلف. ونقوم في الوقت نفسه باختيار مفروشات عادية لغرف المعيشة بحجة أنها لاستعمالنا الشخصي. وهكذا نرى أننا نشتري أشياء كثيرة ونحتفظ بها ليوم أو مناسبة جميلة ونغادر هذه الدنيا والمناسبة.. لم يحن أوانها. وعليه يجب أن نعرف جيدا، أن كل يوم في حياتنا هو جميل وخاص ومميز، ويستحق أن نعيشه بكل ما لدينا من طاقة وعنفوان، وأن نستخدم افضل ما لدينا، فلا ضيف في هذه الدنيا أفضل منا، فالمخدة الأفضل هي مخدتنا، وأجمل شبشب وأدفأ لحاف لنا قبل غيرنا، ولا يعني ذلك أن نكون أنانيين بل عمليين، فاللحاف الجميل الذي لا نود استخدامه إلا عندما يأتينا ضيف «جميل»، قد لا يأتي أوانه ابدا، من الأفضل أن نعطيه لمن يحتاجه، فالعطاء سعادة لا توصف. فلو نظر كل منا لخزانة ملابسه، وخاصة السيدات، لوجدنا أننا نحتفظ مثلا ببنطلونات من مقاسات متعددة، ونرفض التخلص منها أو إعطاءها لمن يستحقها بحجة أن يوما ما سينقص وزننا وسنتمكن من ارتدائها. ولو كنا نعرف متى ستنتهي حياتنا هل كنا سنبقي أفضل الأشياء لأفضل الأيام أم سنحرص على استخدامها قبل فوات الأوان؟ ولو كنا نعرف تاريخ نهاية حياتنا هل كنا سنغادرها بعداواتنا نفسها، أم كنا سننهيها فورا؟ وبالتالي لماذا لا نستمتع بكل دقيقة من حياتنا اليوم، ولا نؤجل السعادة للمستقبل، ولو كان غدا، فاليوم أو اللحظة هذه فقط هي المضمونة، أما بعدها.. فلا أمان! الملك حسين، ملك الأردن الراحل، كان ابن ملك وحفيد ملك ويتقن عدة مهارات، وصديقا لملوك ورؤساء دول، وكان يمون على خزائن عدة دول خليجية، وكانت له في واشنطن، والغرب عامة، معزة ونفوذ. كما كان يعرف كل طبيب بارع، ولكن عندما مرض، وهو في مقتبل الستينات من العمر، لم تنفعه ثروته ولا صداقاته ولا معارفه ولا علاقاته، فهل نتعظ؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com