يحاول العلمانيون جاهدين ان يعلقوا كل مشاكل العالم على الدين والتدين! ولأنهم يدركون جيدا مكانة الدين في نفوس الناس، فانهم يسمون الظاهرة الدينية بمسميات مختلفة لتضليل المقصد الذي يسعون اليه! فتارة يربطون المشاكل بالمدارس الدينية، وتارة يعلقونها على التيارات والجماعات الاسلامية، واحيانا يحملون المسؤولية للعادات والتقاليد والثوابت الدينية! المهم عندهم ان التدين هو أساس المشاكل التي تعيشها الامة، وسبب نكباتها، حتى ان أحد هؤلاء كتب بالامس يدعي ان ظاهرة داعش هي نتيجة للمناهج الدينية التي ندرسها لاولادنا بالمدارس، وقال زميله (المثقف) ان مشاكلنا بسبب مخرجات كلية الشريعة! وهكذا يجدد بعض أنصار العلمانية مقولة مؤسس الماركسية «الدين أفيون الشعوب»! متابعة قراءة الدين.. عقدة العلمانيين
اليوم: 14 أكتوبر، 2014
كونوا قدوة أولاً
تجد السلطة نفسها اليوم، بعد تدهور أسعار النفط، وهو البضاعة اليتيمة للدولة، أن خيارها الوحيد هو تخفيض دعم الدولة للطاقة من كهرباء وماء، وقد يصل تخفيض الدعم إلى البنزين والغاز، وتقول إن هذا الخفض لن يصيب شرائح "البسطاء"، الذين لم يتم تحديدهم، فمرة هم من أصحاب الدخل المحدود، ومرة أخرى، هم من أصحاب الدخل المتوسط!
الوزير الإبراهيم يصرح بحجة يصعب نقضها، متسائلاً: كيف لأحد أن يبني عمارة بأكثر من مليون دينار، ويمتنع عن سداد فواتير كهرباء وماء لا تتجاوز بضعة آلاف؟! ويضيف أن معدل استهلاك الماء يفوق أربع مرات نظيره في أوربا تقريباً!
في الحقيقة هناك هدر في صرف المياه والكهرباء وغيرهما من جوانب تدعمها الدولة، رغم أن مثل هذا الهدر لا يمكن مقارنته بهدر مقابل، وبأضعاف مضاعفة من السلطة، في مشاريعها العامة بعد أن تمددت على تلال كبيرة من الفساد المالي واستغلال السلطة، وصاحبه، أيضاً، هدر من طبيعة أخرى، تمثل في أمراض المحسوبية والواسطة والرشاوى، يدخل معظمها تحت بند "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر".
مثل ذلك الهدر الرسمي المعنون بالفساد السياسي، أسس وشرع فلسفة "المال السائب"، وتعلم الصغار من الكبار لعبة عدم احترام المال العام والهدر اللامسؤول للموارد العامة وغياب المسؤولية عند كثيرين، بعد أن أصبح مسألة طبيعية حين وجدوا في كبار الدولة القدوة المثلى.
فإذا كان القانون لا يحاسب الكبار، فأيضاً ومن باب المساواة في عدم المحاسبة، يحق للصغار إهدار حكم القانون، "نظام السابقة" في التجاوزات المالية والقانونية، شرع السابقة للغير، ولم يكن كل ما سبق غير مظهر من مظاهر تجليات الدولة الريعية.
أياً تكن تصورات السلطة لمواجهة "السنوات العجاف"، والأيام السوداء القادمة حتماً، لابد لها أن توازي عرضها للتضييق الاقتصادي على الناس، ومطالبتهم بالمساهمة في العبء العام، وأن تبادر بدورها لفتح قنوات المشاركة في المسؤولية السياسية التي أغلقتها مع المراسيم الأخيرة، من مرسوم الصوت الواحد، حتى قوانين الحد من حريات الضمير الأخيرة أو التي تطبخ هذه الأيام في المطابخ الرسمية، فمن غير المعقول أن تدعو السلطة المواطن لشد الحزام المالي في الوقت الذي تحكم فيه الحبال الخانقة على رقاب المواطنين، فتكرس سياسة سحب الجناسي الانتقامية من المعارضين أو من أصحاب الأقلام، ثم تزج بمغردين بالسجون لأبسط الأسباب، وكل ذلك يتم تحت ذريعة "تطبيق حكم القانون"، وكأنها اكتشفت صدفة هذا القانون، سواء أكان قانون الجنسية أم غيره من القوانين المنسية لعقود طويلة، والتي لا تتحرك بذاتها عادة، وإنما حسب الطلب وحسب المزاج السلطوي…. كونوا قدوة بالعدل والإنصاف، قبل كل شيء.
طائفية في طائفية
لا أزال على رأيي السابق نفسه بأن النائب صالح عاشور قد لا يكون صالحا لطرح أنواع محددة من الأسئلة، ومنها سؤاله عن جدوى كلية الشريعة، ومطالبته بإغلاقها. لقد سبق لنا أن كتبنا الكثير عن عدم جدوى وجود مثل هذه الكلية، كتبنا قبل ان يصبح عاشور نائبا، وبعد ان اصبح نائبا، ولم يلتفت لما كتبنا لا قبلها ولا بعدها، فما الذي تغير اليوم؟ منطلقاتي انحصرت في عدم حاجة كل من أنهى دراسته في مدارس الكويت، على مدى 12 عاما، للمزيد من الجرعة الدينية. كما أن مبادئ الدين وقواعده معروفة، فكيف يحصل بعض طلاب هذه الكلية على شهادات دكتوراه في الدين؟ والتي تعني أن من حصل عليها اكتشف أو استنبط أمرا دينيا جديدا لم يكن معروفا، وهذا يتعارض مع كمال الدين، وصلاحيته لكل زمان ومكان! وإن كانت هناك حاجة لدى البعض للاستزادة من العلوم الدينية، أو هناك حاجة لخريجي الشريعة، فمن الأولى أن يعمل هؤلاء في الوظائف والمهام التي رغبوا في التخصص بها، ولكن الواقع عكس ذلك تماما، فغالبية من التحق بالشريعة منذ افتتاحها فعل ذلك لسهولة الدراسة فيها، واستغل تاليا شهادته ليتسرب، بعون نائب ومباركة حكومية، لوظائف في المحاماة والتحقيقات والفتوى والتشريع، وغيرها هو غير مؤهل لها، فجميع هذه التخصصات تتطلب من شاغليها إجازة حقوق وليس شريعة، خاصة أن النقص في الوظائف التي تتطلب خريجي شريعة كبير ويتم سده بجلب خريجي شريعة من دول أخرى! إن سوق العمل متخم بالعاطلين، ومن خريجي جامعات معتبرة، ولا توجد وظائف كافية للجميع، وبالتالي يجب أن تذهب الوظائف لحملة أفضل الشهادات، وليس لأفضل «الواسطات»، وواضح أن سوق العمل ليس بحاجة الى خريجي كلية الشريعة، التي لم يعمل إلا القلة ممن تخرجوا منها في مجال عملهم! ويبدو ان الحل في وضع كلية الشريعة لا يكمن في إلغائها بل في دمجها بكلية الحقوق، وعدم فتح المجال لمن ينهي دراسته فيها لغير العمل في الوظائف المتعلقة بالشريعة وليس الوظائف القانونية، وإن طبق ذلك فإنه كفيل بوقف التحاق الكثيرين فيها. الطريف في الموضوع، أو ربما المؤسف، ما ذكره النائب عبدالحميد دشتي من أنه سيتساهل في موضوع كلية الشريعة، و«يسمح» باستمرار التدريس فيها، شريطة أن يدرس فيها المذهب الجعفري! وهذه طامة كبرى، وتعني أن المسألة، سواء من خلال آراء المعارضين او المؤيدين، أن الطائفية غالباً كانت نصب أعينهم، ووحده النائب نبيل الفضل اختلف في موقفه عنهم.. وبالتالي أين ذهبت المصلحة والوحدة الوطنية؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com