تعرضت دولة جنوب أفريقيا لما يسمى بـ«الأبرثيد»، أو ما يعرف بـ«التمييز العنصري» ضد الغالبية من السكان المحليين، على يد الأقلية من الهولنديين الذين حكموا البلاد بالحديد والنار و«العفرتة» الى سنوات قريبة.
عندما سئل «تابو أمبيكي»، ثاني رئيس أفريقي حكم جنوب أفريقيا، بعد «نيلسون مانديلا» الذي قاد حركة تحرير البلاد من العبودية، عن معنى «الديموقراطية»، أجاب: «الديموقراطية كما أفهمها، والتي ننشد من خلالها استقرار جنوب أفريقيا وازدهارها، هي في ثلاثة أمور.. اعلام حر.. وانتخابات نزيهة.. وقضاء عادل»!.
سمو الشيخ جابر المبارك، أو مانديلا الكويت، يتغنى في كل محفل ويفتخر باعلام الكويت الحر وبانتخاباتها النزيهة.. وكيف لا يفخر سموه بهذين الانجازين؟!.. فعلى رأس وزراة الاعلام يقف وزير الشباب والرياضة الشيخ الشاب الرياضي، سلمان الحمود، حامي حمى الكلمة ورافع لواء حرية التعبير عن الرأي.. وعلى سدة مجلس الأمة «المنتخب» يتربع الرئيس الحاج مرزوق الغانم، الذي يقطر «بشته» نزاهة وديموقراطية، والذي يمارس في أوقات فراغه هواية «تأليف القلوب».. أو كما قال قريبه.
ولم يبق لأهل الكويت الا محراب القضاء الذي يتطلعون اليه باعتباره الحصن الأخير ضد أي عبث بالدستور وقوانين البلاد، أو تحريض على الفوضى والبلبلة.
يعلمنا الله عز وجل ألا ظلم أسوأ على الناس، ولا اجحاف أخطر على المجتمع، من قضاء يستمع لطرف ويتجاهل الطرف الآخر!.. فيذكر لنا القرآن قصة نبي الله داود الذي جاءه خصمان يشتكى أحدهما قائلا: «ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب». فاكتفى داود عليه السلام بما سمع، ولم يلتفت للطرف الآخر، بل استعجل باصدار حكمه: «قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه».
هذا الاختبار لم يكن فقط لنبي الله داود، الذي تاب واستغفر الله عن هذا الذنب، بعدما أدرك فداحة ما ارتكب، وانما هو درس لجميع القضاة على مر العصور بأن العدالة لا يمكن ارساؤها بين المتخاصمين الا بعد سماع حجة كل طرف.. ثم الفصل في الأمر.
لقد وعى القضاء في الكويت هذا الأمر جيدا، فكان ان صدر حكم، في قضية سحب جنسية أحمد الجبر الشمري، يعكس ما يختلج بقلب القضاء من غصة وهو يرى يده مغلولة.. حيث جاء في منطوق الحكم: «.. والتي أخرجت من اختصاص الدائرة الادارية نظر القرارات الصادرة في مسائل الجنسية، الأمر الذي يقود المحكمة «مجبرة» الى عدم بحث مشروعية مرسوم سحب جنسية المدعي ومدى مطابقته للقانون من عدمه، ويكون هو بالتالي في معزل عن رقابتها لأن الأمر يتعلق بانعدام الولاية، حتى لو كان هذا المرسوم غير مشروع ومخالف للدستور وقانون الجنسية»! ومن ثم جاء حكم المحكمة بـ«عدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى».
واذا كان القضاء في درجته الأولى يرى ان يده مغلولة بسبب النصوص القانونية التي تحد من صلاحياته في النظر بموضوع الجنسية، فان التمييز كان له رأي آخر في قضية مشابهة.اذ لم يكتف قاضي التمييز بالنظر الى «نص» القانون، وانما درس ومحص «روح» القانون أيضا.وكأنما كان القاضي ينظر الى الأمير الوالد شيخ سعد العبدالله وحمود الزيد الخالد، وهما يتحاوران في اجتماع لجنة الدستور عام 1962..
الخالد: اننا نخشى ان تتخذ حكومة في الكويت هذا الاجراء القانوني في سبيل سحب جنسية الكويتيين وترمي بهم خارج الحدود «دون محاكمة».
الشيخ سعد: لن يتخذ شيء من هذا النوع.
ولذا رفضت محكمة التمييز صفة «السيادية» في القرارات المتعلقة بسحب الجنسية عن الكويتي بصفة أصلية، ورأت ان مجلس الوزراء هو «جهة ادارية» لا تملك صلاحية مطلقة، وانما سلطة «تقديرية» واسعة، وأن هذه السلطة ينبغي ان تخضع لولاية القضاء ورقابته.. كي لا يساء استخدامها.
٭٭٭
لا نملك دليلا ماديا على ان مرزوق الغانم هو «المهندس».. لكنه بالتأكيد قد أعطى بركاته وتأييده التام لقرارات سحب الجناسي.. حسبما جاء على لسانه.
ونحن اذ نؤيد سحب أي جنسية ثبت الحصول عليها بالتزوير.. الا أننا توقعنا من رئيس المجلس ومجلسه الموقر، بصفته ممثلا للشعب ومدافعا عن حقوقه، فرض رقابة صارمة على اجراءات سحب الجناسي، والتصدي لنوازع الانتقام وتصفية الحسابات ضد الغالبية من الكويتيين، على يد الأقلية من.. «الهولنديين»!.
فهل سيفعلها الحاج مرزوق الغانم، ويقف في جانب حماية مكتسبات الشعب الدستورية.. أم سيذكره التاريخ على أنه مرزوق.. الهولندي؟!
٭٭٭
سمردحة: يقولك الخال الهولندي وحليفه، على أعصابهم هاليومين.. انشالله خير؟!