قضية سعد العتيبي بوجهك يا سمو الرئيس، والخطاب موجه إليك أساساً وإلى السادة الوزراء الستة عشر، فإما أن نقول إن لدينا دولة ومؤسسات قانونية وقدراً من ثبات ورسوخ قرارات سلطاتها الدستورية، مهما كان هذا "القدر" بسيطاً، ومهما تضاءل في السنوات الأخيرة، وإما أن نقر بأن قراراتكم هي لعبة أطفال هشة تتهشم حين يتلاعب بها حفنة من الأشقياء، يتخفى أتباعهم تحت أسماء وهمية مضحكة بوسائل الاتصال الاجتماعي، يفرضون رغباتهم وأمراضهم على الدولة، ويضربون بحكم العدالة عرض الحائط.
أعرف أن قراراً صدر من مجلسكم يا سمو الرئيس "مشروع مرسوم" بتعيين سعد العتيبي في منصب وكيل وزارة مساعد لشؤون الشباب، وأن هذا القرار اتُّخذ بعد مداولتين من مجلسكم يوم الاثنين الماضي، ويفترض أنه نهائي، ولم يبقَ غير صدور المرسوم، وفجأة، شنّ شلل من الانتهازيين والمزايدين الذين يعلقون على صدورهم لافتات "نحن ملوك أكثر من الملك" حملة على قرار تعيين سعد، بحجة أنه كتب تغريدة قبل أكثر من سنتين يدعو فيها، بكل براءة، إلى إعمال أحكام العدل والمساواة في العمل الرسمي بمناسبة إضراب عمالي، ماذا فعل سعد؟! وأي جريمة ارتكبها، حين عبر عن رأيه في مسألة حق وأراد بها حقاً؟! وهل يصح أن تكون هذه التغريدة فرصة لشنّ حملة بشعة من القوى الانتهازية لوقف قرار تعيين سعد؟! أين نجد معايير الطمأنينة والثقة والرسوخ القانوني حين تصبح قرارات مجلس الوزراء ريشة في مهب ريح، ينفخ عليها جماعات ضغط ومصالح بائسة كيفما شاؤوا، وحسب ما تمليه مصالحهم وشروط لعبة المزايدات؟!
ما أمامك، يا سمو الرئيس، ويا أصحاب المعالي، ليس واقعة "فردية" تتحدث عن سعد العتيبي، بل هي "قضية" تشمل سعد العتيبي وغير سعد، القضية هنا تحمل معنى العمومية، ولا تخص فرداً أو تروي حكاية عابرة، بل هي قضية تشي بمصداقية مفترضة في قرارات المؤسسات التي تدير الدولة، وثباتها واليقين الذي يفترض أن يكرس الطمأنينة والثقة بنفوس المواطنين. هي مسألة لا تخص سعد أو غيره من المواطنين، هي قضية الدولة بالدرجة الأولى، واحترام مؤسساتها لنفسها وثقتها بقراراتها. هي قضيتنا وهي قضية هواجسنا وقلقنا من هذا التردد السياسي عند مجلسكم، ندعوكم إلى التوقف والتأمل بعض الوقت في ما تبقى من هيبة حكم العدل، في هذه الدولة، أمامكم تحديات كبرى قادمة، فماذا ستصنعون عندها؟!
الشهر: سبتمبر 2014
البحريني الذي… «تحدى الهم»
لا تملك إلا أن تنحني إجلالاً لهم… ولو سنحت الفرصة لتقبيل جباههم وأيديهم، ففي ذلك أصدق تعبير عن التقدير والثناء والاحترام. هؤلاء الذين أقصدهم هم البحرينيون الذين لم يخضعوا لليأس وقساوة الظروف وضراوة الاستهداف والتضييق على لقمة العيش.
بالتأكيد، هناك قصص ملهمة وحكايات مفعمة بالأمل لهذه النماذج التي ربما نعجز عن رصدها وحصرها، لكن من بين كل تلك القصص المشرفة للبحرينيين الذين تحدّوا «الهمّ»، قصة رجل جاوز الأربعين من العمر، فبعد أن وجد نفسه بلا وظيفة، والالتزامات المالية تلاحقه من كل مكان، توكل على الله سبحانه وتعالى وأصر على أن يتحدى ظروفه القاهرة. فمهما زاد ظلم بني البشر، فإن عدالة الله جل وعلا وإرادته وتوفيقه فوق كل شيء. هل تتذكرون تلك العبارة الرائعة :»لا تقل يا رب عندي (هم) كبير.. قل يا (هم) عندي رب كبير».
تعرفت على ذلك المواطن أول مرة وهو يبيع الملابس الجاهزة في أحد الأسواق الشعبية المتنقلة، وككل البحرينيين الأصيلين الطيبين، تعلو وجهه الابتسامة وتنطلق على لسانه أجمل كلمات الترحيب وحلو الحديث.
بعد أن تعرض للفصل «ظلماً»، شعر بالكثير من الأسى والغبن، لكن كل ذلك لم يمنعه من أن يواصل دربه في الحياة، فأسرته تنتظر من عائلها لقمة العيش الحلال، وذخر المستقبل… عياله، لابد أن يحصلوا على أفضل تعليم مهما كلف الأمر، فهو يشعر بالكثير من الحزن والكمد وهو يرى أبناء بعض الأسر وقد تركوا مقاعد الدراسة في أي مرحلة من المراحل الدراسية.
والجميل في قصة هذا الرجل، وهذه رسالة إلى كل معاول الطائفية، أن ذلك المواطن «الشيعي»، بدأ مشروعه البسيط بدعمٍ مالي من أحد معارفه من الطائفة «السنية» الكريمة… بل وعرفه الأخير بأحد تجار الملابس في المنطقة الشرقية ليبتاع منه البضاعة بأفضل سعر، وكتب الله له التوفيق في تجارته الصغيرة التي عوّضه الله بها عن وظيفته السابقة.
والجميل أيضاً، أن بعض المفصولين ممن اشتغلوا بالبيع في الأسواق الشعبية المتنقلة، يقدمون نموذجاً حقيقياً لأواصر المحبة بين البحرينيين، فهم يساندون بعضهم بعضاً، ويقفون مع المتعثر منهم ليواصل دربه ويكسب قوته وقوت عياله، وكم كان جميلاً التقاء هذه النماذج من البحرينيين، من الطائفتين الكريمتين، في معرض «ارتقاء» التجاري في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2013 في مجمع «الكاونتري مول»، تحت رعاية محافظ الشمالية، أليس أمثال هؤلاء يستحقون أن نكتب قصصهم بحروفٍ من ذهب؟
سؤال: «هل يمكن أن يتفق أفراد أسرة كاملة… الأب والأم والأبناء، على أن يغيّروا وضعهم المعيشي السيء ويعملون جميعاً كل حسب قدرته؟»، هذا ممكنٌ بالنسبة لمن يمتلك الإرادة القوية والصبر، وقبل كل ذلك، صدق التوكّل على الله سبحانه وتعالى. فها هي أسرة بحرينية وزعت مهام كسب الرزق على أفرادها. فالأب المفصول لم يقف مكتوف الأيدي، وساندته في ذلك زوجته وأبناؤه. الإثنان، الأب والأم، يجهزان المأكولات لولائم الزبائن، وأحد الأبناء يتولى ترتيبات التوصيل وهو طالب جامعي، أما البنات الثلاث فهن يعملن في التجميل المنزلي.
وأجمل ما في هذه القصة البحرينية… أن لدى الأسرة زبائن من كل مناطق البحرين. يتعامل معهم زبائن من الرفاع تماماً كما تأتيهم طلبات من سترة. وحقيقة، إذا أردنا أن نفهم عمق العلاقة بين أهل البحرين، سيلزمنا أن ندرك أمراً مهماً… فليس الإعلام الطائفي السيء، وليست جيوش وسائل التواصل الاجتماعي التي تنفخ في النار، وليس أصحاب الوجوه الدينية العاشقة للفتنة هم من يقرّرون. القرار، شاء من سعى لقطع الأرزاق وإثارة الفتنة أم أبى، هو قرارٌ من موزّع الأرزاق… هو الرزاق الكريم، فقد يتمكن مثيرو الفتنة من تأجيج مشاعر البعض بعملهم الشيطاني الخبيث، لكنهم لن ينجحوا في ذلك إلا في حدود من يسير معه في ذات مسار الدناءة.
قبل أيام، تشرّفت بزيارة النبي الأكرم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، في المدينة المنورة، فكانت صدفةً من أجمل الصدف أن ألتقي بأحد البحرينيين الذي استطاع بأخلاقه الطيبة وأسلوبه النبيل أن يكوّن شبكةً من العلاقات مع إدارات مجموعة من فنادق المدينة ليعمل وسيطاً لحجوزات الفنادق وترتيب الجولات وخدمات الزائرين، حتى أن الكثير من أصحاب الحملات من الطائفتين الكريمتين أصبحوا يعتمدون عليه في ترتيب حجوزاتهم وحل المشاكل التي قد تطرأ أثناء الزيارة، فهذا المواطن البحريني الأصيل لم يخضع لليأس ويكتفي بالبكاء على سوء المنقلب، فتجاوز كل العقبات وواجه الهموم بروحٍ وثّابةٍ ملؤها الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى يكتب التوفيق والسداد لعباده المتوكلين عليه… أليست هذه نماذج تستحق أن ننحني إجلالاً لها ونقبل جباهها وأيديها؟
الصبر والرضا
اصبر ترى الله يحب عباده الصابرين
لا شفت الايام مالت واختلف دلّها
وانظر حواليك في الدنيا شمال ويمين
كم مشكله عند غيرك عجْز ما حلّها
ترى الرضا بالقضا من شيمة الصالحين
عند الله اعمارنا وارزاقنا كلّها
سحقاً لأمك الفاضلة
حوار دار بيني وبين أوروبي… بدأته أنا:
• ما هي وظيفة وزير الإعلام عندكم في دول أوروبا؟
• ما هي وزارة الإعلام أولاً، كي أعرف وظيفة وزيرها؟ متابعة قراءة سحقاً لأمك الفاضلة
الأكثر تشدداً ..الأكثر عمالة!
حتى لا تقيّد حرب غزة الأخيرة ضد مجهول كالعادة وتذهب بالتبعية الدماء والأشلاء والبيوت المهدمة هباء دون الإجلاء عن حقيقة من بدأ الحرب وما الأهداف التي كان يأملها منها، وهل تحققت؟ نذكِّر بأن هناك من ادعى في البدء أن الشباب الثلاثة الإسرائيليين لم يقتلوا وان الأمر حجة تريدها إسرائيل لشن الحرب التي استعدت لها منذ زمن طويل، ثم قيل إن الشباب قتلوا في حادث سيارة في ايلات (لاحظ الدقة)، حتى أقر السيد خالد المشعل أخيرا بأن أجهزة تابعة لحماس هي التي قامت بتلك العملية، التي حققت أهداف الجماعات اليمينية المتطرفة في إسرائيل بغزو غزة، ولم يذكر المشعل إن كان هناك من حقق وحاسب من قام بذلك العمل الذي ذهب ضحيته ألفا قتيل فلسطيني وأحد عشر ألف جريح.
****
وشاهد العالم مقنعين من «حماس» يعدمون 18 شابا فلسطينيا بالشوارع دون محاكمات، في وضع أعاد للأذهان إعدامات «داعش»، والغريب جدا ان إسرائيل لم تطالب بمن قيل إنهم جواسيس لها أو حتى تندد بذلك الفعل، مما قد يعطي دلالة على أنهم ليسوا عملاء لها أو أن لديها آلاف العملاء، ما يجعل هذا العدد صغيرا بالنسبة لها، علما أن الدول تطالب في العادة بجواسيسها وتعرض مبادلتهم بمن لديها من أسرى، كما تندد بما يصيبهم كوسيلة لإبداء الامتنان لهؤلاء العملاء وكوسيلة لتسهيل تجنيد المزيد منهم.
****
وكل حروب ينتج عنها أمران يسهلان تجنيد العملاء، أولهما الأسرى الذين يصبحون في أوج ضعفهم وحنقهم، ما يسهل استخدام وسيلتي الترهيب والترغيب معهم، والأمر الثاني هم بعض أبناء الشهداء الذين يصبحون فجأة دون عائل ودون مرشد، فتصبح حاجتهم للخبز والوظيفة وسيلة لتجنيدهم، لذا فتخفيف عدد العملاء يلزم تخفيف عدد الحروب غير المتكافئة التي ينتج عنها مئات الأسرى وآلاف الشباب المشردين.
****
وأهم كتاب خط عن حماس وغزة والجواسيس هو كتاب الباحث الفلسطيني والإعلامي الدولي زكي شهاب المسمى «حماس من الداخل»، ويرى (صفحة 100) أن المواجهات العسكرية وخوف الفلسطينيين من قيام الجيش الإسرائيلي باعتقالهم «جعلهم لقمة سائغة للإسرائيليين» وسهلت عملية تجنيدهم كعملاء وجواسيس، ومن أمثلة العملاء وليد حمدية رئيس قسم الدعوة الدينية في حماس والقريب من الشيخ أحمد ياسين، والذي تم تجنيده بالمال، فتسبب في اغتيال العديد من قيادات حماس مثل ياسر النمروطي قائد الجناح العسكري ومروان الزايغ وياسر حسنات ومحمد قنديل، ثم زار القيادي الذي دوخ إسرائيل وأتى أمر اغتياله من شارون ومجلس الوزراء الإسرائيلي ونعني القيادي عماد عقل الذي أفطر معه حمدية وهو لابس سروال به جهاز تعقب ثم صليا المغرب في رمضان وسلمه للإسرائيليين، وكان الإسرائيليون يقومون بالقبض على جاسوسهم حمدية وسجنه وتقصد بيته بقذائف الطائرات لإعطائه المصداقية، وكان من جانبه يدعي التشدد والتطرف، وكانت حسرته الوحيدة قبل إعدامه أنه لم يسلم القيادي يحيى عياش للإسرائيليين الذي اغتيل لاحقا عن طريق هاتف ملغم وصله من صديق عميل، أما الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد فقد سلمه القذافي لحتفه في مالطا وسط صمت مريب للقيادات الفلسطينية.
****
آخر محطة: كقاعدة سهلة وبسيطة.. يجب ألا تخشى الأمة قط من دعاة الحكمة والاعتدال فيها، الخشية هي دائما من دعاة التشدد والتطرف، فمن يجند شخصا لخدمته يطلب منه بداهة ادعاء العداء الشديد له.. لا الترويج لصداقته كي لا ينكشف!
قانون حورية سامي
صور الفنانة حورية سامي، الله يذكرها بالخير، على شاشة التلفزيون أيام الستينيات ماثلة أمامي، فهي "كومبارس ردادة" إذا كانت هناك وفرة في الصوت النسائي للأغاني الكويتية، ثم تصبح مغنية "سولو" إذا عانى التلفزيون ندرةَ المغنيات، ثم تعود، مرة أخرى "كومبارس" حسب الظروف، وتظل تتنقل بين مهام الكومبارس إلى وضع مطربة الشاشة المنفردة حسب الظروف.
وزراء الدولة، لا يختلفون عن وضع الفنانة حورية سامي، فالمرشحون للوزارات، يظلون في مستودع ذاكرة أهل القرار من شيوخنا دائماً، يتم اختيار بعضهم اليوم، ثم يُستغنَى عنهم في تشكيل وزاري آخر، ثم يعود هؤلاء إلى الواجهات الوزارية في تشكيل جديد، وتعاد دورة تبديل الكراسي من وزير احتياط يجلس بهدوء وترقُّب في صالة منزله منتظراً مكالمة تلفونية تستدعيه، مادام من فرقة المرضي عنهم، ولا يصدّع رؤوس الكبار، ولا يبارح منطقة "الموظف الكبير"، بمسمى وزير لينتقل في ما بعد، حسب حظه، من حالة الاحتياط إلى حالة الوزير الفاعل بسلطات الموظف الكبير المحدودة، وتظل حركة "ري سايكل" للوزراء (إعادة التدوير للمنتجات الصناعية) مهيمنة على عقيدة أصحاب القرار، ويبقى الوزراء، ومَن في حكمهم، يراوحون في مكانهم الثابت، دخولاً وخروجاً من الوزارة عبر بوابة "رفولفر" في قصور شيوخنا الكرام، بالوجوه ذاتها، وبالفكر السابق ذاته، لا يتغيرون، فمستودع الاختيار بنموذج قانون حورية سامي، يبقى على حاله مهما تغيرت الظروف وتحديات الدولة.
وعلى هذا لا نستغرب ذلك الإقرار من أهل التخطيط بأن خطة التنمية الأخيرة فشلت، ولا يقبل التعذر بطول الدورة المستندية مثلاً، أو غير ذلك من أسباب لا تشير بإصبع المسؤولية مباشرة إلى علة الديرة وداء الدولة المزمن منذ عقود طويلة، التي تقول إن الخطة فشلت لأن مَن أشرف على وضعها وعجز عن تحقيق أغراضها هو ذاته فاشل، وعاجز عن مواجهة الواقع وتحدياته، فمادام "قانون حورية سامي" لا يتمثل في اختيار الوزراء فقط، بل في اختيار معظم المسؤولين في مؤسسات الدولة كذلك، مع بقائه على وضع "يارب لا تغير علينا"، فلا جدوى من كل الأحاديث المنمقة عن خطط التنمية ووعود الغد، فليست تلك النهاية سوى أحلام يقظة عند الواهمين بقدرة الإدارات السياسية الحاكمة على نقل الدولة من هذا الحال المتردي.
لنقر بأن المصيبة تتجذر في أشخاص القياديين وفكرهم المفلس من الحدود الدنيا للثقافة والعلم الإنسانيين، وعجزهم عن المبادرة الخلاقة والتجديد الأصيل في الإدارة، هم، لا أحد غيرهم، مَن خلق هذا المرض المزمن في الدولة، بكل ما يمثله من رخاوة في تطبيق سيادة حكم القانون، وانتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم، إلى تدهور مؤسسات الدولة وخدماتها في الصحة والتعليم، والأمن وغيرها.
ونتأمل بحسرة وحزن سوء الحال المتجسد في كل مرافق الدولة من مطار بشع وخدمة نقل تافهة، إلى مرور خانق، ومستشفيات ومراكز صحية في حالة يرثى لها في الإدارة، ولو وجد فيها أفضل الأطباء، إلى مدارس ومناهج تعليمية متكلسة تدار بفكر القرون الوسطى وتشكل وصفات ممتازة لتخريج كوادر "داعشية"، وجيل رخو متواكل على عمل الغير، هو جيل شبابي ضحل الوعي الاجتماعي والسياسي، وهو نتاج حتمي للحالة الريعية في الدولة، أما القلة الواعية منه فهي إما في السجون، أو مهدَّدة به، لأنها سرحت بتغريدة أو تظاهرت دون الموافقة المباركة من السلطة، وهناك "فيض من غيض" متمثل في أزمة مرور خانقة، إلى غلاء غير معقول للأراضي السكنية، وهناك المشروعات المتوقفة المنسية من استاد جابر إلى مستشفاه إلى جامعة الشدادية، وقوائم النسيان واللامبالاة السياسية طويلة ممتدة، تتوه في دهاليزها ذاكرة الحسرات، ويكاد يكون عدها وحسابها ضرباً من الخيال.
وتبقى أحوال الفشل والفساد على حالها، أبوابها مشرعة، للطامحين المقربين مع تهميش للغير وقضايا الغد، ويصبح المستقبل مجهولاً تغشاه وساوس القلق و"اللا يقين" والخوف على مستقبل وحلم الأجيال، مادامت تلك الجماعات المستفيدة تنظر إلى الدولة كما ينظر أصحاب المخيم إلى مخيمهم بعد انتهاء وقت التخييم الربيعي، فهذا له الثلاجة، وذاك سيأخذ خيمة الجلوس، بينما قبض الآخر الملايين واستثمرها في الخارج وضمن مستقبله ومستقبل سلالته من بعده قروناً قادمة، إن لم يكن حرز عليها في "كبت أمه"، وتُرِكت أرض المخيم يباباً مهجوراً، إلا من أكداس قمامة مهملة، يتحلق حولها أطفال الغد، يجلسون من غير غطاء خيمة يظلهم من وهج شمس الصيف الملتهبة، فقد طارت، بالأمس، الطيور بأرزاقها، فهذا هو قانون حورية سامي، وهذا دستور مخيمات ربيع القلة الشطار.
السارق والمزور الغائب
الظواهر التي سأتكلم عنها ليست مقتصرة على دولة بحد ذاتها، بل تشمل غالبية الدول العربية والإسلامية، ولكنها تبدو أكثر حدة في الدول النفطية الثرية، وأكثر مدعاة للاستغراب. فظاهرة الغش في الامتحانات الدراسية متفشية لدينا، والغش في الأغذية وتقديم وجبات مطاعم فاسدة أمر منتشر أيضا، ولا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع بضبطية هنا أو «كبسة» هناك. والغش في شهادات خلو عمال المطاعم وشركات التغذية من الأمراض المعدية أمر عادي، بالرغم من تأكد إصابة الكثيرين منهم بأمراض خطيرة معدية، ونشوب الحرائق في المخازن الحكومية ومشاريعها الإنشائية اصبح موسمياً، والغش في منح إجازات قيادة المركبات، حتى الثقيلة والخطيرة منها، ليس بالامر المستغرب، وتزوير أذون الزيارة والعمل للعمالة الوافدة أصبح «روتينيا» أكثر كشرب الماء البارد، ومخالفة قوانين المرور أصبح القاعدة وليس الاستثناء. وشراء الحكومات الولاء من أموال الشعب، إما من خلال توزيع حيازات زراعية أو أموال نقدية أو رخص تجارية أو إرسال ناخبي النواب لتلقي علاج الزكام في دول أوروبا، هو السائد، واصبح الغش والتلاعب في الجمعيات التعاونية أمرا شبه مقبول، وكذلك الامر في الجمعيات والمبرات المسماة بالخيرية لنهب أموال التبرعات أو التساهل مع سارقيها. كما لا يتورع الكثير من المواطنين «الطيبين» المصلين الصائمين عن مخالفة كل قانون، والاستيلاء على أملاك الدولة أمام بيوتهم، وتأجير سراديبها للتخزين، وتكليف نواب مناطقهم للتوسط لهم في إتمام كل معاملة مخالفة للقانون. هذا غير عشرات آلاف مخالفات البناء السنوية، وبيع المواد الغذائية المدعومة والأعلاف المدعومة في السوق السوداء، وسرقة وقت الدولة بالحضور للعمل متأخرين، والمغادرة قبل انتهاء العمل بساعات من دون الشعور بأي تأنيب ضمير! ولكن، وآه من ولكن، قد يقول قائل ان هذه الظواهر لا تقتصر على الدول العربية والمسلمة فقط، بل تشمل غالبية دول العالم الكافرة والوثنية والمشركة، كالهند وتايلند والفلبين وغيرها. ولكن، مرة أخرى، هذه الدول لم تدع. يوما أن مواطنيها أفضل البشر، ولا يتكالب شعبها على بناء أفخم دور العبادة في كل متر وشبر، ولا تكتظ «تنابلهم»، جمع Temple، بالمصلين طوال العام، ولا تخلو أحياؤهم السكنية من البشر اثناء فترات إفطار رمضان والصلوات، كما يحدث في الدول الخليجية، ولا يتصارعون للحصول على كرسي فارغ على طائرة حجاج! وبالتالي من المستغرب جدا، أو العكس، أن نجد مساجدنا مكتظة، وخاصة في المناسبات الدينية، بملايين المصلين الخاشعين؟ والسؤال هو من الذي يرتكب كل هذه المخالفات والموبقات والسرقات؟ هذا سؤال نتركه لكم! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
بدهي
كل ما يتطلبه الأمر للاستفادة من سلعة السفر الكويتية تسهيلات معينة في حركة النقل الجوي، بحيث تستقطب شركات الطيران لتحط طائراتها في مطار الكويت بما أن الراغب في السفر مقيم في الكويت أصلاً، وهو سوق حيوي لشركات الطيران بالإضافة إلى توفير محطات جديدة للخطوط الكويتية تغني في أحيان كثيرة عن «الترانزيت». أعتقد بما يشبه اليقين أن أكثر ما ينفق عليه الكويتيون بعد الإيجارات السكنية هو السفر، فمطارنا التعيس يكتظ بالمسافرين مع كل إجازة متاحة سواء كانت الإجازة الأسبوعية أو العطل الرسمية، بمعنى أن ما تقدمه الدولة من رواتب ودعم عمالة وغيرها من أموال من ميزانيتها يتجه جزء كبير منه للسفر ويصرف في الخارج. على الرغم من هذه الحصة الكبيرة من الأموال المصروفة في الخارج فإن الدولة لا تكلف نفسها بأن تستفيد ولو بشكل بسيط من تلك الأموال، وأنا هنا لا أتحدث عن خلق أماكن ترويحية وسياحية تغني الناس عن السفر أو تقلل منه على الأقل، فالدولة بشكلها الحالي عاجزة عن تحقيق ذلك بكل تأكيد، فهي لا تملك لا التخطيط ولا الإرادة ولا الرؤية لإنجاز ذلك، ولا تشجع من يبادر لذلك طبعاً، رغم سهولة توفير مشاريع سياحية عائلية حقيقية في الكويت، فنحن نملك جزراً لا تستثمر سياحياً أبداً، ونملك صحراء تتسع لأفضل وأحسن المنتجعات، ولا يتطلب الأمر سوى بعض التسهيلات للشركات العالمية الكبرى لاستثمارها وتحويلها إلى بقاع يسعى الناس إليها، ولكني أكرر أني لن أتحدث عن ذلك طالما كان خطابي موجهاً إلى من لا يملك رؤية. حديثي اليوم عن أمر أبسط من ذلك بكثير، فبشهادة الجميع أن أكثر من يسافر من دول الخليج طوال العام بالنسبة المئوية هم الكويتيون، وعلى الرغم من ضخامة سوق السفر هذا والملايين التي يصرفها الكويتيون على تذاكر السفر فقط فإن مطار الكويت لا تنطلق أو تحط منه معظم الوجهات التي يرغب فيها الكويتيون!! فمعظم المحطات التي يرتادها الكويتيون طوال السنة لا تنطلق من الكويت، بل تستلزم أن يحل المسافر غالبا على مطارات الدول الخليجية للتوجه إلى المكان الذي يريده، فتكون تذكرة المسافر الكويتي في غالب الأحيان "ترانزيت"، وهو ما يعود بالفائدة طبعا على مطار "الترانزيت"، وعلى الناقل الجوي الذي يعزز وجوده في مطار الترانزيت؛ لشدة الإقبال بدلا من أن تستفيد الكويت من هذا الأمر. والمسألة لا تحتاج إلى فكر مستنير أو رؤية ثاقبة للاستفادة من سلعة السفر الكويتية، كل ما يتطلبه الأمر تسهيلات معينة في حركة النقل الجوي، بحيث تستقطب الكويت شركات الطيران لتحط طائراتها في مطارها بما أن الراغب في السفر مقيم في الكويت أصلاً، وهو سوق حيوي لشركات الطيران بالإضافة إلى توفير محطات جديدة للخطوط الكويتية تغني في أحيان كثيرة عن "الترانزيت". بهذه الحالة تستفيد الكويت من حركة الملاحة الجوية القائمة أساساً، وتستفيد منها دول الخليج، مع أن المستهلك كويتي أصلاً، وهو ما يجعل بعض ما يصرفه الكويتيون من ملايين يعود على الدولة، هذا من جانب ومن جانب آخر تكون الكويت وجهة للعديد من شركات النقل الجوي، وهو ما ينشط الحركة السياحية بشكل أفضل مما هي عليه حتماً ولو بنسبة بسيطة، وهو ما يعني أموالا أكثر تستفيد منها الكويت. ما أقوله لا يعدّ أمراً خارقا أو فكرة غير مسبوقة، بل يفترض أن تكون من بدهيات الأفكار، لكننا أحيانا قد نحتاج إلى طرح البدهيات لأنها في الغالب تكون غائبة عن أذهان أصحاب القرار.
الوجه الآخر لغزوة غزة!
تنقل وكالة الفتح نيوز قصة أمير حمد (11 عاما) الذي قتل والداه في حرب غزة الأخيرة تاركين له 5 أشقاء هو أكبرهم، وقد التقته الوكالة وهو يحمل شقيقته لميـس ذات الأربعة شهور قائــلا إنه ســيعلمها أن تسميه ماما وبابا ويستدرك أمير قائلا: ببراءة إنه خائف ولا يعلم كيف سيواجه الحياة القاسية دون والديه؟ ومثل أمير هناك 1500 قصة مماثلة، فهذا عدد الأيتام الذي خلفته غزوة غزة الأخيرة يضافون بالطبع إلى من قبلهم.
****
وعلينا ونحن بصدد تقييم نتائج تلك الحرب التفريق بين الضرر «الدائم» والضرر «المؤقت»، فقد يكون هناك إسرائيليون قد تركوا منازلهم لفترة قصيرة «مؤقتة» ثم عادوا إليها دون أن يصيبها ضرر، بعكس ما حدث لـ 17 ألف منزل فلسطيني دمر بشكل «دائم» وقتل قاطنوه، بينما ثبت أن عشرين ألف صاروخ أطلقت من القطاع لم تستطع قتل إسرائيلي واحد تماما كحال صواريخ صدام، وقد أغلق مطار بن غوريون بشكل «مؤقت» كحال أي مطار يتعرض إلى ضباب كثيف، إلا أنه عاد لعملية التشغيل كاملة دون أن يستطيع الجانب المنتصر أن يفرض على الجانب الإسرائيلي المهزوم الالتزام بفتح مطار غزة بشكل «دائم» أو إنشاء ميناء أو إطلاق الأسرى وغيرها من مطالبات كان يمكن الحصول عليها ولربما أفضل منها دون حرب ومن خلال المفاوضات السلمية.
****
ويشهد القطاع عملية تذمر واسعة بسبب الاحتفالات وإطلاق النار وتوزيع الحلوى دون مراعاة مشاعر أهالي 2100 شهيد و10 آلاف جريح و17 ألف منزل مدمر، ويقول البعض من هؤلاء: لقد شهدنا منذ تسلمت حماس القطاع 3 حروب لم تحرر من خلالها أي أرض أو يُستجاب لأي مطلب، بل استمر الحصار وتحول القطاع إلى سجن بائس كبير على يد حماس وإسرائيل وحروبهما.
****
ويعتقد بأن الإعدام العلني لـ 18 شابا فلسطينيا يقصد منه إرعاب شعب القطاع كي لا يتذمر أو يثور، فتهمة العمالة البشعة تلصق دون محاكمة، وعمليات الإعدام العلني الجماعي جاهزة لمنع أي تساؤل عن ماهية وفحوى الانتصار في غزوة غزة، وقتلى الإسرائيليين 50 وقتلى الفلسطينيين 2100 شهيد، بدأت الاحتفالات ودماؤهم لم تجف بعد، وكأن أرواح الفلسطينيين لا بواكي لها، وأين الفرح وثلث سكان القطاع باتوا دون مأوى وآلاف الأيتام الجدد تم رميهم في الشوارع؟!
****
آخر محطة: هناك بالقطع انتصار كبير تحقق في غزوة غزة، والسؤال إن كان على إسرائيل أم على.. أهل غزة المنكوبين؟!
بداية الانهيار التركي
كانت تصرفات تركيا تجاه منطقة الشرق الأوسط بالذات، في السنوات العشر الأخيرة، مصدر تساؤل لدي، خاصة بعد ان رفض الاتحاد الأوروبي فكرة انضمامها إليه، ويا ليته قبل بذلك، لكان توجه تركيا اليوم مختلفا عما هو عليه الآن. حيرتي بددها مقال نشر في النيويورك تايمز، 28/ 8 بقلم بهلول اوزكان BEHLUL OZKAN، ذكر فيه أنه كان في أواخر عام 1990 يدرس لنيل شهادة في العلاقات الدولية من جامعة مرمرا، وأن واحدا فقط من بين كل اساتذته كان معارضا قويا لفكرة انضمام وانصهار تركيا في الاتحاد الأوروبي. وكان البروفيسور مميزا في مادته في الفلسفة الإسلامية والغربية. وكان يستمتع بقضاء ساعات في مناقشة اهتماماته مع طلبته. وكان يعتقد أن تركيا سوف تبرز كقائد للعالم الإسلامي، مستفيدة من موقعها الجغرافي، ومن فخرها بتراثها التاريخي. والآن، وبعد 14 عاما يصبح ذلك البروفيسور أحمت أوغلو Ahmet Davutoglu رئيسا لوزراء تركيا الجديد. والغريب، يقول بهلول، انهم عندما كانوا يستمعون للبروفيسور أوغلو كانوا يتخيلونه يتكلم عن قصص خيالية، وليس تحليلات سياسية، مستشهدا ببريطانيا التي خلقت امبراطورية، بعد خروجها من حروبها الأهلية في القرن 17، وألمانيا التي أصبحت قوة متحدة يحسب حسابها، بعد أن كانت متشرذمة، وبالتالي كان أوغلو يعتقد أن بوسع تركيا، التي كانت حينها تعاني من التضخم والنزاعات الداخلية والحرب مع الأكراد الانفصاليين، أن تصبح دولة قوية ومهابة. وقد وضع أوغلو أفكاره تلك في كتاب صدر عام 2000 بعنوان «استراتيجية العمق» وضح فيه ان تركيا لا تدرس التاريخ بل تقوم بكتابته، وهي دولة لا تقع ضمن المحيط الغربي، بل في قلب «الحضارة» الإسلامية! وهذا ما تنبأ به أوغلو، وسعى لأن تكون تركيا لاعبة رئيسية، تدير الآخرين، بدلا من أن تكون مخلبا. واليوم، وبعد ان اصبح الرجل الأقوى في وطنه، ينظر إليه الكثيرون، وربما ينظر هو لنفسه، كسلطان عثماني جديد، ووريث للسلطان عبد الحميد الثاني. ما يهمنا ذكره في مقالنا هنا، أن رئيس وزراء تركيا السابق، رجب طيب اردوغان، تأثر بنظرية «أحمت أوغلو»، وعمل بها، وعلى أساسها عين أوغلو وزيرا للخارجية، قبل أن يختاره رئيسا للوزراء، وإيمان اردوغان وأوغلو بدور تركيا الجديد، كزعيمة للعالم الإسلامي، سيجلب الخراب لمنطقتنا ولها، برأيي، فانغماسها الواضح في قضايا المنطقة المتشابكة وحروبها الدينية والطائفية، بعد أن أصبحت طرفا في كل نزاع، سيعجل حتما بخرابها، فهي ليست افضل من غيرها، ولا أقوى ممن حاولوا أن يكون لهم دور ففشلوا، يجرون أذيال الخيبة، تاركين وراءهم شعوبا مقهورة قبل وجودهم وبعد مغادرتهم. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com