آخر ماكنت أتوقعه، منذ قدمت استقالتي من الجيش وشرعت أكتب في الصحافة، أن يتم تصنيفي في خانة السياسيين. وأكون كذاباً أشِر، أو كذاباً فشر، على رأي حارس عمارة مصري، إن قلت إنني قرأت الكثير من الكتب السياسية كي أكتب عن السياسة. مجموع ما قرأته من الكتب السياسية لا يتجاوز العشرين كتاباً، أو الثلاثين، في أحسن الأحوال وأطيب الأجواء. بينما قرأت ما لا يحصى من كتب التاريخ والأدب والفن والروايات والسير وحياة الشعوب ووو…
هكذا “غمّض فتّح” وجدت نفسي أكتب عن البرلمان والحكومة والفساد والرشى والتسيب والتخلف وكل ما يجلب القضايا والبلايا والرزايا، ووجدت نفسي أقدم برنامجاً تلفزيونياً عن البرلمان والانتخابات والحكومة والمشاريع والمناقصات وموقعنا في التصنيفات العالمية ووو…
ولا أدري هل سأصعقكم إن قلت إن ما أكتبه أو أقوله “مو سياسة”، ولا يمت لها بصلة قرابة ولا نسب؟… شلون؟ هاللون… فالحديث عن الفساد المنتشر في كل خلايا جسد هذا البلد ليس سياسة، وإلا كانت العجوز أم فهيد سياسية مخضرمة، فلطالما رفعت يديها بالدعاء على الفاسدين الذين تسببوا في قطع الكهرباء عن بيتها ومنطقتها، وكذلك فعلت أم بجاد التي اعتادت شتْمَ الفاسدين في وزارة الصحة الذين تسببوا في تعطيل الكشف الصحي عليها أربعة أشهر، وهاتفتني تشتكي، ومثلهما فعل ويفعل أبو جابر، حارس المدرسة المتقاعد، عندما يختنق برائحة الغاز في منطقة أم الهيمان، وحجي غلوم الذي هضمت الواسطات حقه، وغيرهم وغيرهم ممن تصلني شكاواهم أو أوصلوها لغيري.
سنقول، بثقة مطلقة، إن أم بجاد سياسية، في حال انضمامها إلى حزب سياسي، أو تيار سياسي، يختلف عن بقية التيارات السياسية في بعض التفاصيل والرؤى، مثل قانون الضرائب والرسوم، وقانون سعر الفائدة، وقانون التمثيل الانتخابي، وما شابه.
أما الحديث عن الفساد الذي يعمي العيون فليس سياسة بقدر ما هو غضب على حال البلد المتدهور، وغيرة ونخوة وإنسانية ووطنية، خصوصاً عند مقارنة الكويت بالبلدان التي لا تمتلك عُشر معشار ثروتنا. والحديث عن السرقات التي يراها الكفيف ليس سياسة. والحديث عن خرق الدستور، أو العهد والميثاق بين الشعب والسلطة، ليس سياسة. والحديث عن تقريب الفاسدين واللصوص ومطاردة الشرفاء وزجهم في السجون ليس سياسة، والغضب من تهديد المعارضين في مواطنتهم وجنسياتهم ليس سياسة. أبداً.
وعن نفسي، صحيح أن الإعلام شدني من ياقة قميصي إلى وسط الملعب، لكنني لطالما أعلنت أنني سأقيم مباراة “اعتزال السياسة” أو بالأحرى “التوقف عن الحديث عن البرلمان والحكومة” في حال نزل مستوى الفساد في الكويت إلى “الدرجة المقبولة”، أما قبل ذلك فسأظل أرغي وألت وأعجن في الشأن العام، ولو لم أكن سياسياً.