اشتعلت الساحة الكويتية في أعقاب تسريح موظفين كويتيين من شركة «أوريدو» للاتصالات.
ومما قرأنا، فاننا نميل الى وجود «شبهة» مخالفة لاشتراطات الحكومة الكويتية. فقد نشرت «الجريدة» تصريحا على لسان مدير قطاع الموارد البشرية في شركة «أوريدو»، صالح الحوطي، جاء فيه ان نسبة الكويتيين حاليا في الشركة تبلغ %46، موضحاً ان «النسبة القانونية اللازمة لشركات الاتصالات» والتي فرضتها الحكومة الكويتية هي..%60!.
ويؤيد اعتقادنا بوجود «شبهة» مخالفة، ما ذكره الشيخ محمد العبدالله، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، ان «الحكومة على اطلاع كامل بجميع تفاصيل موضوع التسريح المفاجئ الذي قامت به احدى شركات الاتصالات لعدد من الكويتيين العاملين فيها.. وأن الدولة حريصة على وجوب تشغيل النسبة المقررة للعمالة الكويتية.. وقد تم التوجيه للجهات المعنية بضرورة إعماله».
الى هنا والأمر طبيعي، وربما تم احتواؤه وتصحيح تلك المخالفة. لكن الأمر غير الطبيعي هو جلوس الحكومة كمتفرجة على ردود الأفعال «العاطفية» التي قد لا تكون في صالح القطاع الخاص.. ولا المواطن الكويتي!
فقد اتخذت بعض الجمعيات التعاونية اجراءات سريعة بفسخ عقود التأجير لأبراج «أوريدو» ما لم تقم باعادة المسرحين فورا، كما بدأت على «تويتر» حملة لإلغاء اشتراكات خطوط «أوريدو» والانتقال الى شركة أخرى!.
بداية، لابد من التأكيد على تعاطفنا الكامل مع المسرحين وذويهم، والالتزامات المادية التي تورطوا بها في ظل هذا التسريح المفاجئ.الا ان اللوم ينبغي ان يوجه للحكومة «الخائبة» التي لم تتفاعل سريعا وتوضح ما اذا كان التسريح ضمن أطر القانون واشتراطات الدولة، أو أنه تسريح مخالف للنسب المقررة، وبالتالي تجب اعادة الأمور الى نصابها الصحيح.
ربما كان هناك شعور بـ «النصر» شعبيا في احراج «أوريدو»، ورسالة واضحة الى باقي الشركات الخاصة كي تفكر «ألف مرة» قبل ان تسرح موظفا كويتيا.. لكن الحقيقة ان ما جرى، وان كان في صالح المسرحين من «أوريدو»، الا أنه قد يكون ضارا للشباب الكويتي المقبل على سوق العمل!.. حيث ستفكر الشركات «ألف مرة» قبل ان توظف مواطنا كويتيا، خارج النسب المطلوبة قانونا، حتى لا تتورط لاحقا في تسريحه!
القطاع الخاص هو قطاع مرن، وهدفه الأساسي زيادة الربحية، ضمن قانون الدولة. ومن أهم سمات المرونة التي تميز القطاع الخاص عن الحكومي قدرته على اعادة هيكلة الشركة وتسريح من يشاء، بما يتناسب مع التغير في الميزانية أو في رؤية الشركة.
وما حدث أخيرا من ردود أفعال شعبية، قد يجعل الشركات تتردد في توظيف الكويتي، ما لم يكن صاحب كفاءة مميزة أو مفروضا عليها بقوانين الدولة. فقد بات الكويتي يمثل، في ظل الغضب الشعبي أخيرا، أعباء قانونية وادارية و«اجتماعية».. أكثر من الوافد!
الأمر الآخر الذي قد لا يعيه المواطن في غمرة تعاطفه مع المسرحين، والذي لم تحرك الحكومة ساكنا في توضيحه للناس، أننا بحاجة لمنافسة الشركات «الثلاث» للاتصالات، للمحافظة على الأسعار الحالية وعلى الجودة النسبية للخدمة. لذلك فان استغلال المنافسين هذا الحدث في عرقلة عمل «أوريدو»، أو محاولة اخراجها من السوق، قد تكون له عواقب غير محسوبة على جميع المواطنين لاحقا!
وتأتي الطامة الكبرى حين تعبر الحكومة عن «ارتياحها وتقديرها الكامل لما أبداه العديد من الشركات الكويتية الرائدة عن استعداده «الفوري» للترحيب بهؤلاء العاملين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم..وهو ما يعكس حرص شركاتنا الوطنية على تجسيد روح المسؤولية والايجابية»!.
ونحن نستغرب ثناء الحكومة على هذه الشركات بدلا من محاسبتها!.. فهي أموال مساهمين، وليست جهات خيرية.. والتوظيف يكون على حسب حاجة الشركات فقط، وليس من باب الدعاية..فاذا كان هناك خطأ من «أوريدو»، فيجب تطبيق القانون واعادة المسرحين لوظائفهم..وليس توزيعهم على شركات أخرى من باب «جبر الخاطر»!
ولو بقي الأمر عند هذا الحد لقلنا انه «مصيبة».. لكن المصيبة تكاد تتحول الى «كارثة» مع دخول بعض السياسيين على الخط، بتصريحات غير مسؤولة، يريدون من ورائها تحويل قضية المسرحين من مشكلة بين شركة وموظفين، الى أزمة في العلاقات بين..دولتين خليجيتين!.