هل سبق أن رأيتم خنزيراً يأمر خنزيراً آخر بشتم خصومه، والتركيز في الشتم على أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وأعراضهم، والافتراء عليهم، وتشويه سمعتهم زوراً؟ الجواب: لا… طيب ليش؟ لأن للخنزير كرامة أكبر وأعلى وأرقى من كرامة بعض من يدعي أنه بشر، ثم يأتمر بأمر أسياده لشتم أمهات الآخرين والطعن في أعراضهم.
ويخرج أمامنا على الشاشة ببذلة أنيقة، وربطة عنق فاخرة، واستوديو فخم وضخم، في ساعات الذروة، وفي فضائية من أقرب الفضائيات للنظام وأغلاها عنده، فتظن أنك ستشاهد عرضاً لأفكار وحجج، وتقارير لدراسات مهنية راقية، يتخللها بعض السخرية المقبولة، والإفيهات الخفيفة، ووو…
فإذا به يبدأ كلامه: “النهارده هافشخ أم الدولة الفلانية”. حمانا الله وإياكم من الفشخ! وتبدأ معزوفة الشتائم، وينتقل الحديث من السياسات إلى الأمهات، في لمح البصر أو لمح العهر.
ويأتيك كاتب في صحيفة، ومغرد في تويتر أو الفيسبوك، ويخاطب أمك بدلاً من مخاطبتك، ويشتم أباك بدلاً من شتمك، إلى درجة أن من يشتمنا حالياً، دون التعرض لوالدينا، نعتبره “صاحب جميل” علينا. وكم من مرة تمنيت لو أنني رأيت من يكتفي بشتم خصمه السياسي، دون ذكر أبويه وأهله، لأحتضنه وأسرّ في أذنه بعد أن أمسح دموع الامتنان: “جميلك لا يُنسى… أيها النبيل”.
هذه النوعية من البشر، تنتمي إلى فصيلة القمامة غير القابلة للتدوير. أي أنها الآن قمامة، وستعيش قمامة، وتموت قمامة، وتُبعث قمامة.
ولا يأتِني أحد ليقول بأن المسؤول الفلاني، أو النائب الفلاني، أو التاجر الفلاني، أو غيرهم ممن يمتلكون أبواق القمامة ويوجهونها حسب رغباتهم… أقول لا يأتِني أحد ليقول إن هذا المسؤول لا علاقة له بما يقوله “قمامته”.
قد أصدق ذلك لو أنه لا يجالسه، أو لم تنتشر صور تجمعهما، أما أن يجمع “أبواق القمامة” عنده ثم يدعي ألا علاقة له بما يقولون، فهذا لا يقبله عقل فأر دع عنك عقل الإنسان.
بل أكثر من ذلك، أقول: كل مغرد أو إعلامي أو سياسي أو غيرهم، يهاجم خصمه في حياته الخاصة، فيشتم أمه أو أهله، أو يتحدث عن “علاقاته الخاصة”، سواء افترى عليه أو كان صادقاً… يجب ألا نغضب منه، بقدر ما نغضب ممن يحترمه ويدعوه إلى مناسباته ويجالسه ويضاحكه، وكأنه لم يخرج عن المألوف، وكأنه ليس من فصيلة القمامة.
ولا أظن أحداً يقبل بمجالسة القمامة والضحك معها واحتضانها، إلا إن كان هو نفسه ينتمي إلى الفصيلة ذاتها. ولولا الخشية على الخنازير، لطالبت بأن نضع هؤلاء في حظيرة خنازير ليتعلموا منها “الحدود الدنيا”.