الله يرحم محمود السعدني، خفيف الطينة، خفيف الكلمة، خفيف الصياغة. كتب لنا عن حكايته وصديقه المدرس، عندما كان يجلسان في حانة، أيام الحكم الملكي. وفي الطاولة القريبة منهما “يربض” جاموس ضخم على هيئة جندي إنكليزي، بذراعين ضخمتين، ومنكبين متباعدين، يحيطان برقبة أشبه بالبرج… وإلى جانبه تجلس شابة حسناء. متابعة قراءة حتى الحيوانات لن تقبل
اليوم: 7 سبتمبر، 2014
لماذا يبكون لفرح مصر؟!
هناك زلات صغيرة مقبولة يرتكبها الساسة من قادة وتنظيمات ينساها التاريخ، وهناك اخطاء وخطايا كبرى لا تنساها الشعوب ولا يغفر لفاعليها كتاب التاريخ، ولا شك ان مواقف بعض القوى السياسية المصرية وتحديدا الاخوان مما يحدث هذه الايام في مصر من ارهاب وتخريب، يندرج تحت خانة الاخطاء والخطايا الكبرى، حيث بات الاخوان أو من تبقى منهم في حالة خلاف شديد مع السواد الاعظم من اهل مصر، فإن ضحك أهل مصر بكوا وان بكى اهل مصر ضحكوا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
***
اسقط ما سمي بـ«شرعية الميدان» نظام الرئيس مبارك ولم يكن بقي له الا 8 أشهر يمكن لمن تحمله 30 عاما ان يتحملها، وكان بامكان مبارك ان يأمر الجيش ورجال الامن بالقتل لابقائه على كرسيه، الا انه لم يفعل، وبدأ الشعب المصري تدريجيا يتعاطف معه هذه الايام بعد ان تكشفت الحقائق امامه وبعد ان جرب نظام الرئيس مرسي الذي بدأ منذ يومه الاول بتدمير مبرمج لمصر وعادى الرئيس الشعب المصري بكافة توجهاته وفئاته فخسر اسلاميي حزب النور والاقباط والناصريين والليبراليين واهل اليسار والقضاء والجيش والاعلام وقطاع الاعمال والازهر ولولا دعم تلك القوى جميعا لما اصبح مرسي رئيسا لارض الكنانة بهامش صغير مشكوك فيه.
***
وقد تلاعب الرئيس مرسي مبكرا بالدستور واظهر شراسة شديدة في التهام الدولة وخلق الميليشيات التي كان يوجهها لاعدائه واعداء تنظيمه وبدأ القتل للمتظاهرين في محيط قصر الاتحادية ابان عهده فنجح بامتياز في عام في تحقيق ما عمله مبارك في 30 عاما، أي خلق حالة تذمر عند الناس وتسويد صورة المستقبل امامهم مما دفعهم للنزول للشوارع بالملايين ومن ثم طبق في انهاء عهده تماما ما طبق في انهاء عهد سلفه مبارك اي التظاهر الملاييني وتقديم «الشرعية الثورية» على «الشرعية الدستورية» بحكم الغلبة والاغلبية.
***
كان على اخوان مصر بعد سلسلة تلك الاخطاء الكوارثية ان يصححوا المسار عبر اختيار هذه المرة شخصية كفؤة متجردة تهدف لخدمة مصر لا خدمة التنظيم على حساب الوطن لمحاولة حصد دعم الشارع المصري الذي انصرف عنهم، وان يظهروا قبولهم بالواقع الجديد وان يتم اختيار قيادات اخوانية بعيدة عن الشبهة ومنفصلة عن تعليمات التنظيم الدولي المدمرة تحضيرا للانتخابات الرئاسية والأهم البرلمانية القادمة، والتي يضخ التنظيم الدولي هذه الايام المليارات لكسبها رغم كل ما يقال، الا ان ذلك لم يتم ضمن خطأ تاريخي كوارثي آخر وتم الاخذ بنهج الارهاب والتفجير والاغتيال فتحول التعاطف التاريخي الموروث من الاخوان الى من عاداهم من قيادات مثل الرؤساء عبدالناصر والسادات وحتى مبارك وتأكدت تهمة الارهاب التي الصقت بهم بعد ان جاهدوا لـ 80 عاما لانكارها والتنصل منها.
***
آخر محطة: (1) استطاع الرئيس عبدالفتاح السيسي في شهرين فرض هيبة الدولة وخلق امل صادق بالمستقبل وبدء مشاريع انمائية كبرى والتصالح مع كافة التوجهات التي اصطفت معه وايدت انتخابه للرئاسة، كما اعاد دور مصر التاريخي في المنطقة فساهم في انهاء حرب غزة، وجمع دول الجوار الليبي واستضاف قمة اقتصادية عربية قادمة بعد اشهر في مصر وللدول المانحة لها، وبدأ مباحثات جادة مع اثيوبيا حول سد النهضة، فلماذا بحق يبكي الآخرون من هذه الانجازات الباهرة التي تحققت خلال فترة قصيرة لمصر قلب العروبة والاسلام النابض؟!
(2) وهل يعقل ان يسعد بعض القيادات الاخوانية ولاجل مصالح انانية ضيقة، ان تتحول مصر وهي ثلث الامة العربية واحدى الدول الحامية للعروبة والاسلام الى حالة الفوضى غير الخلاقة ولنهج الحروب الاهلية والتمزق والتخلف والفقر والتشطير والانقسام في نسخة اخرى لما يحدث في الصومال وليبيا واليمن وسورية؟! ايها السادة ان التاريخ يرقب ويكتب ويسجل بريشته ولن يرحم احدا، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
مع أو ضد الحوار؟
دعوات الحوار الوطني مسألة محيرة وإشكالية، ويصعب علي تبني موقف قاطع يحسم بين "مع أو ضد".
الحوار مع السلطة أو ضد الحوار، كقضية مبدئية؟! إذا فكرت بصوت عالٍ، محدثاً نفسي بحجج المعارضين لفكرة الحوار، كحركة العمل الشعبي ورمزها مسلم البراك ورفاقه، بكل ما يمثله مسلم من ثقل سياسي ونضال عنيد ضد الفساد، ومواقف صلبة بالدفاع عن حريات المواطنين إزاء هجمات القمع السلطوية الأخيرة، فسأنتهي إلى عدم جدوى أي حوار مع سلطة فاقدة المشروعية الدستورية، حين تفردت بحل مجلس 2012 الأول، وفرضت الصوت الواحد، وهمشت شرائح عريضة من المجتمع الكويتي ممثلة في أبناء القبائل، وهي الأغلبية في الدولة شئنا هذا أم لا.
وأتصور أن المعارضين مقتنعون بأنه لا معنى للحوار خارج الدستور، وإذا كانت هناك فسحة للحوار مع السلطة فلتكن في الأطر الدستورية التي تصر السلطة على عدم الاعتراف بها، وماذا قدمت هذه السلطة منذ حل ذلك المجلس، غير المزيد من القوانين القمعية مثل قانون الاتصالات على سبيل المثال، ومحاولات حشر الكويت مع الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون المناقضة لدستور الدولة لتضحى الكويت بلون واحد مع شقيقاتها الخليجيات في عالم رأي السلطة الأوحد.
وقد يضيف رافضو الحوار أن السلطة لم تقدم شيئاً عملياً يفتح الأمل لافتراض حسن نيتها، فأين هي بشائر الأمل حين نشهد ممارسة منهجية لقمع الشباب المغردين لأبسط الأسباب، حين وضعت قفازات اللكم القانونية على قبضتها، وباشرت توجيه اللكمات وضرب الشباب، بلا رحمة، مدمية وجوههم وأجسادهم.
وشهدنا جلداً قاسياً للمواطنين في التظاهرات السلمية المعارضة، وطالعنا وقرأنا أخباراً يومية عن حملات لا تتوقف بزج مغردين في السجون، ثم تناسيهم في معتقلات الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، لا يصح أن يقال بعدها إنه كان حبساً احتياطياً حسب القانون، بل كان تعسفاً وقسوة بالغة في أعمال قانون الإجراءات الجزائية، وهو عقوبة قاسية رامت قطع أيدي المغردين كي لا تلامس لوحة مفاتيح أجهزة الاتصالات… وننتهي اخيرا باستعراضات سحب الجناسي، وهنا أيضاً يقف هذا القانون مع "حق السلطة" بهدر الوجود الإنساني لمواطنين، وترك ذريتهم من الأبرياء منسيين في صحارى المجهول.
ماذا بقى بعد ذلك! الزميل وليد الرجيب عرض بقوة في مقاله بـ"الراي" أمس بعض أسباب رفض الحوار؟
بالمقابل، يسأل الداعون إلى الحوار، وحسن نياتهم مفترض، أين الحل؟! فالحراك السياسي المعارض أضعف من أن يفرض رأياً مثلما حدث في زمن مضى بعد التجمعات الضخمة في قضايا الإيداعات، وهل نتخيل مثل ذلك العسف في إجراءات القمع التي يذكرها المعارضون للحوار، لو وجد في صالة المجلس أحمد السعدون ومسلم البراك وفيصل مسلم وغيرهم من نواب سابقين! فمن المؤكد أنهم (النواب المقاطعين المعارضين) سيضعون سقفاً لتفرد السلطة بإجراءاتها الأخيرة، من سجن المغردين إلى سحب الجناسي وغيرها مثل قضايا المال العام السائب، ومهما ضعف صوت المعارضة بحكم فرض قانون الصوت الواحد، فإن القليل أفضل من العدم.
وإذا كان رياض العدساني النائب السابق الذي طرق باب الصوت الواحد، ووجد نفسه، في ما بعد، مع المجلس الحالي، أنه في سكة "سد" واستقال بعد خيبة أمله في هذا المجلس، ماذا لو كان هناك بعض رموز المعارضة في المجلس وشدوا من أزر رياض في طرح قضايا المحاسبة للحكومة؟
خذوا مثالاً آخر، فنحن لم نسمع غير صوت النائب راكان النصف حين رفض انسياق مجلس الوزراء لجماعات الضغط البائسة لوقف تعيين سعد العتيبي في منصب وكيل وزارة مساعد، هل كان يحدث مثل ذلك اليتم في مواقف الحق، لو وجد أكثر من صوت راكان النصف بمجلس الصوت الواحد، ففي النهاية يردد الداعون لإنهاء المقاطعة للمجلس، مثل "العوض ولا القطيعة"، ويؤكدون قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، فهل يعد طرحهم معقولاً ومتماشياً مع فقه الواقع أم من الواجب قلب هذا الواقع على رأسه كما يطالب المقاطعون… مازلت محتاراً!
رسالة لعقلاء الشِّيعة والسُّنة
لا يأتي شيء من فراغ، وبالتالي ما نجده من عنف ديني أو طائفي اليوم له جذور مهّدت وتمهد لاستمرار ظهوره. فقد عاش مسلمو الهند في سلام نسبي طوال قرون، بخلاف معارك هنا وهناك، ثم جاءت النكبة وانفصل جزء منهم في دولة مستقلة، ولكن الأغلبية بقيت في الهند، وطوال 1200 عام لم يعكر صفو العلاقة الكثير. ولكن، ولأول مرة في تاريخ الهند السياسي، بدأت تعرف أحزابا هندوسية مسلحة، ردا على زيادة التطرف الديني لدى الأقلية المسلمة، التي خربتها دعوات بعض «الدعاة» وما حملوه من «بترودولار». كما لم تعرف دول جنوب شرق آسيا، كالفلبين وبورما وتايلند، وحتى الصين، معارك ومذابح بين الأغلبيات غير المسلمة، التي كانت تميل تاريخيا للسلم، وبين الأقليات المسلمة، ثم وصل الدعاة و«الدولار الخليجي» فبدأت المذابح! ويعتقد البعض ــ وقد يكونون على حق ــ أن التطرف الحالي ما كان يمكن ان يكون بكل هذا الزخم والعنف لو لم يسبقه تطرف مضاد. ففور نجاح الخميني في ثورته وبدئه تصدير أفكار ثورته، ونشر التشيع بين دول المنطقة، وكان لبنان والعراق هدفاً، ثم وصلت الشرارة تالياً الى اليمن ثم غزة ومصر وبعض دول الخليج، ولا ننسى ــ بالطبع ــ سوريا. وبسبب ذلك يمكن القول إنه مهما قيل وكتب في وسائل الإعلام العربية عن «داعش» وتصرفات رجاله الإجرامية والخرقاء، فإن بعض السنة لا يعتبرونه خطرا حقيقيا، بل ربما عوناً امام «المد» الشيعي، إن صح التعبير. ولو كان «داعش» يمثل خطرا على الإسلام أو يسيء الى صورته، كما قال الكثيرون لاجتاحت التظاهرات شوارع المدن العربية منددة به، فقد قامت التظاهرات لأسباب وقضايا اقل خطورة على الدين وإساءة الى رموزه من أعمال «داعش» الحالية. وعليه، فإن أي تطرف ديني او مذهبي من اي طرف كان سيقابل بتطرف مضاد أقوى وأشد من الطرف الآخر، ولا ينقص الطرفين من يثيرهما ويمولهما ويسلحهما. وحين يرى العالم كيف يقتل العرب العرب، وكيف يذبح «المسلمون» أبناء وطنهم الذين ليسوا على دينهم أو مذهبهم، وكيف تستغل الصهيونية العالمية حروب القبائل العربية، فلا نستغرب ــ بعدئذٍ ــ إذا لم يكن للدم الفلسطيني الثمن الذي يعطيه العالم لدم اليهود! لا فائدة ترتجى على المدى الطويل، من مجابهة الصهيونية بعصبية طائفية، لأن عصبية اليهود تجمعهم وتوحّدهم، في حين إن عصبيات «المسلمين» تفرّقهم قبائل وشيعاً، وتجعل الحروب بينهم أشد فتكاً من حرب إسرائيل عليهم. وكما قيل: «العصبيات تولّد العصبيات وتأكل الروح». والآن، كيف يمكن أن نتعظ من تجارب الآخرين، ويبتعد «عقلاؤنا»، أو ما تبقى منهم، عن العصبية، وأن نترك الطائفية خلفنا، ونسمو عليها؟ وهل بمقدور حكومتنا السير في طريق الدولة المدنية، وليس الطائفية؟ وهل لدينا القدرة على التعلم من مصائب الآخرين، فلا نقع في المطبات والمشاكل نفسها؟! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com