حتى لا تقيّد حرب غزة الأخيرة ضد مجهول كالعادة وتذهب بالتبعية الدماء والأشلاء والبيوت المهدمة هباء دون الإجلاء عن حقيقة من بدأ الحرب وما الأهداف التي كان يأملها منها، وهل تحققت؟ نذكِّر بأن هناك من ادعى في البدء أن الشباب الثلاثة الإسرائيليين لم يقتلوا وان الأمر حجة تريدها إسرائيل لشن الحرب التي استعدت لها منذ زمن طويل، ثم قيل إن الشباب قتلوا في حادث سيارة في ايلات (لاحظ الدقة)، حتى أقر السيد خالد المشعل أخيرا بأن أجهزة تابعة لحماس هي التي قامت بتلك العملية، التي حققت أهداف الجماعات اليمينية المتطرفة في إسرائيل بغزو غزة، ولم يذكر المشعل إن كان هناك من حقق وحاسب من قام بذلك العمل الذي ذهب ضحيته ألفا قتيل فلسطيني وأحد عشر ألف جريح.
****
وشاهد العالم مقنعين من «حماس» يعدمون 18 شابا فلسطينيا بالشوارع دون محاكمات، في وضع أعاد للأذهان إعدامات «داعش»، والغريب جدا ان إسرائيل لم تطالب بمن قيل إنهم جواسيس لها أو حتى تندد بذلك الفعل، مما قد يعطي دلالة على أنهم ليسوا عملاء لها أو أن لديها آلاف العملاء، ما يجعل هذا العدد صغيرا بالنسبة لها، علما أن الدول تطالب في العادة بجواسيسها وتعرض مبادلتهم بمن لديها من أسرى، كما تندد بما يصيبهم كوسيلة لإبداء الامتنان لهؤلاء العملاء وكوسيلة لتسهيل تجنيد المزيد منهم.
****
وكل حروب ينتج عنها أمران يسهلان تجنيد العملاء، أولهما الأسرى الذين يصبحون في أوج ضعفهم وحنقهم، ما يسهل استخدام وسيلتي الترهيب والترغيب معهم، والأمر الثاني هم بعض أبناء الشهداء الذين يصبحون فجأة دون عائل ودون مرشد، فتصبح حاجتهم للخبز والوظيفة وسيلة لتجنيدهم، لذا فتخفيف عدد العملاء يلزم تخفيف عدد الحروب غير المتكافئة التي ينتج عنها مئات الأسرى وآلاف الشباب المشردين.
****
وأهم كتاب خط عن حماس وغزة والجواسيس هو كتاب الباحث الفلسطيني والإعلامي الدولي زكي شهاب المسمى «حماس من الداخل»، ويرى (صفحة 100) أن المواجهات العسكرية وخوف الفلسطينيين من قيام الجيش الإسرائيلي باعتقالهم «جعلهم لقمة سائغة للإسرائيليين» وسهلت عملية تجنيدهم كعملاء وجواسيس، ومن أمثلة العملاء وليد حمدية رئيس قسم الدعوة الدينية في حماس والقريب من الشيخ أحمد ياسين، والذي تم تجنيده بالمال، فتسبب في اغتيال العديد من قيادات حماس مثل ياسر النمروطي قائد الجناح العسكري ومروان الزايغ وياسر حسنات ومحمد قنديل، ثم زار القيادي الذي دوخ إسرائيل وأتى أمر اغتياله من شارون ومجلس الوزراء الإسرائيلي ونعني القيادي عماد عقل الذي أفطر معه حمدية وهو لابس سروال به جهاز تعقب ثم صليا المغرب في رمضان وسلمه للإسرائيليين، وكان الإسرائيليون يقومون بالقبض على جاسوسهم حمدية وسجنه وتقصد بيته بقذائف الطائرات لإعطائه المصداقية، وكان من جانبه يدعي التشدد والتطرف، وكانت حسرته الوحيدة قبل إعدامه أنه لم يسلم القيادي يحيى عياش للإسرائيليين الذي اغتيل لاحقا عن طريق هاتف ملغم وصله من صديق عميل، أما الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد فقد سلمه القذافي لحتفه في مالطا وسط صمت مريب للقيادات الفلسطينية.
****
آخر محطة: كقاعدة سهلة وبسيطة.. يجب ألا تخشى الأمة قط من دعاة الحكمة والاعتدال فيها، الخشية هي دائما من دعاة التشدد والتطرف، فمن يجند شخصا لخدمته يطلب منه بداهة ادعاء العداء الشديد له.. لا الترويج لصداقته كي لا ينكشف!