سامي النصف

هل نحن بحاجة لانتداب جديد؟!

من يرقب الفوضى العارمة التي تضرب أوطانا عربية (حتى أفريقية) كحال الصومال والسودان واليمن والعراق وسورية وليبيا والمستمر بعضها منذ عقود والتي لا يوجد أمل في إصلاح أحوالها في المستقبل المنظور، يجعلنا نتساءل هل تلك الدول بحاجة لنظام انتداب دولي جديد ليقوم بتأهيلها وحفظ الأمن فيها كي تصبح مشاريع دول مستقرة ومتقدمة كبديل لمشاريع التوحش وسفك الدماء القائمة؟! ويتبقى تساؤل عن ماهية مصطلح الانتداب لمن يجهله. وهل أحسن تطبيقه في الماضي؟!

***

ظهر مفهوم الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى كوسيلة انتقالية للدول التي تم استعمارها لتأهيلها لعهد الاستقلال، وقد بدأ العمل به عام 1923 ونص على ان على الدولة المنتدبة ان تضع دساتير دائمة للدول التي تم انتدابها عليها، وإنشاء قوات أمنية ووضع نظام قضائي مستقل ومتطور وضمان إلغاء الامتيازات الأجنبية وصيانة أراضي الدول وحماية الحدود ووضع تقرير سنوي عن حالة البلدان يرفع الى عصبة الأمم..

***

والحقيقة ان الأخطاء التي شابت الانتدابين الإنجليزي والفرنسي في بلاد الشام والعراق كانت بسبب سوء التطبيق لا سوء الفكرة، فمن عينوا لإدارة دولنا العربية آنذاك واصلوا إكمال المشروع الاستعماري على أيدي شخصيات متشربة بفكر الاستعمار مثل الجنرال غورو في الشام وهربرت صموئيل في فلسطين، ومما يدل على إيمان العرب في حينها بتلك الفكرة ان كثيرا من القادة الفلسطينيين والعرب صارحوا اللجنة الأميركية المكونة من كينغ ـ كراين عام 1919 بقبولهم لانتداب أميركي على فلسطين والشام.

***

ولقد طبقت الولايات المتحدة بعد عام 1945 وبنجاح باهر فكرة «الانتداب» وان سميت بـ «الاحتلال» على ألمانيا واليابان فتمت إعادة تأهيلهما وخلق دساتير لهما فوصلتا الى ما وصلتا اليه من رقي وتقدم، وقد حاولت أميركا مرة أخرى تطبيق ذات الفكرة على العراق بعد عام 2003 إلا اننا كعرب وبعبقرية شديدة ركزنا على مسمى «الاحتلال» فتمت محاربته وخرجت القوات الأميركية ليتحول العراق الى الغابة القائمة..

***

آخر محطة: قد تكون فكرة الانتداب الدولي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ويمنح مددا محددة لتأهيل الدول التي تسودها الفوضى، الأمل «الوحيد» لدول عربية وأفريقية باتت مهددة بالتقسيم والتشرذم.. والانقراض!.

سعيد محمد سعيد

مات «إيرانيون»… احتفل «خليجيون»!

 

«حين تسقط طائرة ويتسبب ذلك في سقوط ضحايا أبرياء ويطربك ذلك… ابحث عن إنسانيتك المفقودة».

العبارة أعلاه، واحدة من عشرات، بل ربما مئات التغريدات على حساب «تويتر»، وردت تحت وسم (هاش تاق): «تحطم_طائرة_ركاب_إيرانية» انتشر بين المغردين بعد الحادث المؤسف بسقوط طائرة ركاب إيرانية قرب مطار مهرآباد بالعاصمة طهران يوم الأحد الماضي (10 أغسطس/ آب 2014)، وذلك خلال رحلة داخلية. وقد أجمعت التقارير الصحافية على مقتل جميع الركاب، ولكنها تفاوتت في تقدير عددهم؛ إذ قدر البعض العدد بـ20 راكباً، في حين رفعته تقارير أخرى إلى 50، فيما قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا) أن عدد القتلى 48 شخصاً على الأقل.

بالفعل، تحت ذلك الوسم، تستطيع أن تقرأ مستوى التخلف والرجعية والطائفية والأمراض النفسية والانحطاط، وأقبح قذارة وصل إليها البعض من الشامتين والمحتفلين والمهنئين والمباركين! كان ذلك واضحاً دون شك، وللأسف، غالبية أولئك المسوخ من جراثيم الطائفية هم من دول الخليج بتفاوت قطعاً. نفخ شيطاني قبيح جداً جمع أولئك الذين يسري في عروقهم إبليس الرجيم كما تسري الطائفية والأحقاد، حتى تجاوز بعض المرضى حدود الفرح والسرور للهجوم على المعتقدات والمذاهب.

تلك الصورة السيئة حقاً، بل هي الأسوأ من بين عشرات المشاهد والصور في المجتمعات الخليجية والإسلامية ذات الضمائر الميتة، والممارسات التي لا علاقة لها بسماحة الدين الإسلامي العظيم، ولا بالإنسانية أصلاً.

وبغض النظر عن أعمار ومستويات أولئك المغردين، إلا أن المجتمع الخليجي، مع كل ذلك الوحل السيء من جراثيم الطائفية، أظهر صوتاً أقوى هذه المرة، حين علا صوت المواطن «المسلم» الحقيقي، أو لنقل «العربي» الحقيقي، برفض ذلك الانحطاط الحيواني الشيطاني المقيت الذي اجتمع حوله الطائفيون (مثال: بعض الطائفيين استخدموا تغريدة واحدة مشتركة تقول: «بمثل هذا الخبر ما تدري أن تفرح وتدعي عليهم أو تحزن وتدعي لهم. لكن نقول إن كان بينهم (من طائفتي) فارحمه واغفر له»! هل لمثل هذه المفردات ارتباط بأخلاق الدين الإسلامي؟

على أية حال، فإن هذا هو الوجه المشرق الجميل، فالتغريدات التي كتبها ذوو القلوب المطمئنة والمتسامحة والرافضة للطائفية، كنست تغريدات ووسخ وقذارة الطائفيين، وإن استمروا في عفنهم، وكان العنوان الأكبر لهؤلاء الطيبين: «أوسخ إنسان هو من يشمت في ميت أياً كان مذهبه وجنسيته»، ومع أنهم ترّحموا على الضحايا، إلا أنهم كتبوا الكثير مما يكشف وجود فئة كريمة نقية من أبناء الخليج والعالم العربي والإسلامي، قبال جراثيم الطائفية التي تقتات ليل نهار على صديد أسيادهم ومشايخهم وكبرائهم ممن غذّوهم بكل هذه السموم ليفتكوا بالمجتمع.

الشيء المفرح حقاً لمن تابع الوسم، أن العديد من دواب الطائفية حذفوا تغريداتهم بعد أن تحرّك ضمير بعضهم ليستغفر الله، ثم يستغفر الله، ثم يستغفر.. لكن حتماً، سيعود بعضهم إلى سيرته الأولى. فمن عاش في زريبة الطائفية منذ ولادته، لا يخرج منها إلا إلى المقصب أو النفوق.

ثمة مواقف جميلة سطرتها تغريدات بعض المغردين المعروفين المناهضين للطائفية وأهلها يمكن ربطها بالأوسمة التغريدية التي تكشف وجه الطائفيين الممسوخ، فعلى سبيل المثال، كتب الصحافي البرلماني الكويتي مبارك البغيلي: «رئيس المخابرات الأميركية في 2006: سنضع لهم إسلاماً يناسبنا، ونجعلهم يقومون بالثورات فتنتشر الطائفية بينهم»، وساند التغريدة بقصاصةٍ من صحيفة عربية فيها تصريح رئيس وكالة المخابرات الأميركية السابق جيمس وولسي يقول فيه: «سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، فيتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية، ومن بعدها، قادمون للزحف وسوف ننتصر».

ولعل الناشط نصير العمري كان شديداً: «العرب مضحكة.. تنتفخ أوداجهم نصرةً للدين والطائفة، والغرب يعبث بنفطهم وأوطانهم وكرامتهم. أغنامٌ تحرّكها الطائفية ويسوقها الحكام إلى مذبح صهيون». وكتب سعود مطلق السبيعي أيضاً: «المندسون والمحرّضون صبيان السفارات في الداخل والخارج يستغلون أي حدث محلي لتأليب الرأي العام بشعارات براقة لضرب وحدة المجتمع فاحذروهم».

المغرد نبيل المعجل طرح تساؤلاً: «س: ما سبب خلو منطقة الإحساء من القاعديين والداعشيين وقاطعي رؤوس البشر؟ ج: تعايش وتناغم وتسامح بين كل المذاهب والطوائف والملل». ووجّه في آخر الكلام سؤالاً لكل طائفي: «ما جوابك؟». أما عبدالله محمد البارقي فقد كان يسير في مسار المتفائلين: «ستشرق شمس التآلف والمحبة بين أهل القبلة حين تعي الأجيال الحاضرة معنى سماحة الإسلام، وتأفل شمس الطائفية البغيضة بينهم».

مهما كثرت النكرات في وسائل الإعلام الجديد، ومهما حشد الطائفيون قطعانهم، سيبقى الأصل في أهل الخليج أنهم يعرفون قيمة الإنسان دون النظر إلى دينه أو عرقه، فلن تتمكن حشرات الطائفية من تشويه ذلك الوجه المليء بالسماحة.

عبدالله غازي المضف

عبدالرحمن السميط.. المسلم الحقيقي!

عندنا نستذكر مشهد تشييع الشيخ المرحوم عبدالرحمن السميط في جنازة عالمية وتاريخية فاقت جنازات رؤساء الدول، فلا ريب ان يراودنا هذا السؤال: لماذا كل هذا الحب؟ من يقرأ جيدا تاريخ أبي صهيب الحافل سيعرف حينئذ ان هذا الرجل مضى في صراط الاسلام وهو يحمل بيده «جمرة» باتت اشد وطأة واحمرارا وحرقة عن ذي قبل، تلك الجمرة التي افلتها مسلمون كثيرون شيوخا كانوا ام افرادا في زوبعة عصر الشهوات، جمرةٌ اسمها: الصدق! يقول موقع ويكيبيديا ان 11 مليون افريقي اسلموا على يدي ابي صهيب، اي ما يقارب 972 مسلما في اليوم الواحد، واربعين مسلما تقريبا بالساعة الواحدة! انقذهم، اسعدهم، درسهم، داواهم، لاعبهم، اطعمهم، وشاطر همهم وحزنهم وبات خيره المنثور حياةً لمن لا حياة لهم، ولا غرابة ان يدينوا له -بعد الله- بكل شيء وكأنما بايعوه سلطانا واميرا: وماذا بعد؟ اين كانت الخطوة الثانيه؟ هل جيّشهم ابوصهيب؟ ام استغل شعبيته وتعلقهم به للظفر بمنصب ما؟ هل توسع حلمه لتأسيس حزب سياسي لا سمح الله؟ او تنظيم فكري يبث به خططه وافكاره بايعاز من انظمة الدول العربية؟ هل امر الشباب بالجهاد في سورية او غيرها بينما هو جالس في البيت؟ هل استغل سلطة الدين لاغواء الشباب والتغرير بهم؟ هل كانت تعنيه الدنيا اصلا؟ قطعا لا! ولم يكن ابو صهيب يحمل في قلبه الصادق خطوة ثانية ولا ثالثة ولا مليونا سوى الدعوة في سبيل الله وخدمة الاسلام وهداية الملايين بالصدق والسماحة: فمكث 29 سنة في ادغال افريقيا الحالكه وهو يطبق تعاليم القرآن الكريم باحترام الاديان، واحترام العقائد، واحترام المذاهب! وما لبث الا ان فتح الشيخ عبدالرحمن قلبه ومدارسه ومستشفياته وبيوته لغير المسلمين أيضا: فكان الحصاد ان ينطق %80 منهم بشهادتي ان «لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله» بعد ان استقر الاسلام الحقيقي بقلبهم، وتيقنوا وقتئذ ان الاسلام هو دين الحب والانسانية والسماحة والصدق بعيدا عن التكفير، والتحقير، والتعصب، والارهاب، والقتل، والدين السياسي!
مضت سنة كاملة على وفاتك يا ابا صهيب: وليتنا تعلمنا منك اخلاق الدعوة الى الاسلام! فمن يقرأ تاريخك المنير سيستدل صدقاً الى صراط الاسلام الحقيقي في زمن سادت به فوضى الفتاوى، والقتل، والفتن.

د. شفيق ناظم الغبرا

من غزة: المعبر الجديد لحركة التحرر الفلسطيني

أصبح من المألوف في منعطفات القضية الفلسطينية الأساسية أن يتحول جزء من فلسطين إلى رافعة بالنسبة إلى بقية الأجزاء. الجديد في المعادلة في هذا الصيف الساخن أن غزة أخذت بقية الفلسطينيين والمتضامنين معها من العرب والمسلمين والعالم الأوسع نحو قيم كفاحية جديدة. صراع غزة لتفتيت الحصار المفروض عليها وطريقة خوضها للمعركة الحربية في عام ٢٠١٤ حوّلها بامتياز إلى الحاضن المرحلي الأهم لحركة المقاومة الفلسطينية. غزة المدينة والقطاع وذلك الممر الساحلي الضيق خاضت حرباً متكاملة الأركان وفرضت نفسها بالتالي جزءاً قيادياً في الحركة الوطنية الفلسطينية المقاومة للاحتلال. في هذه الحرب بينت مقاومة حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» عن مقدرة عالية على التخطيط والانضباط، بل تحول بعض رموز المقاومة إلى رموز تاريخيين كما هو الحال مع قائد كتائب عزالدين القسام محمد ضيف ونائبه أبو عبيدة. لقد اكتسبت المقاومة الفلسطينية في معركة غزة زخماً لم نعهد مثله منذ زمن طويل، فهناك تواصل مع تجارب المقاومة التاريخية، وتطور لثقة جديدة بإمكانياتها. لقد غيرت الحرب أشياء كثيرة، يكفي أنها أنعشت ذاكرة أمة وحفزت روح صمود. متابعة قراءة من غزة: المعبر الجديد لحركة التحرر الفلسطيني

محمد الوشيحي

سافل إكلينيكياً

حتى الحشرة، وهي حشرة، لا يمكن أن تشمت أو تتشفى في أحد. لن تجدها تشمت في حشرة أو في طائر أو سمكة أو إنسان. ليش؟ لأن لديها حدوداً دنيا من “الحشرية” والقيم التي تمنعها من التشفي بالآخرين في عز مصابهم.
وبالأمس، رأينا من يتشفى بمن سُحبت جنسيته، ويعلن فرحته، تقرباً لأصحاب القرار، ظناً منه أنهم سيحترمونه، أو يقرّبونه، أو حتى يمنحونه الجنسية، إن كان من “البدون”. متابعة قراءة سافل إكلينيكياً

حسن العيسى

حالنا من حالهم

تسير سلطة الحكم حثيثاً لابتلاع ما تبقى من أشلاء شبه الحالة الديمقراطية الكويتية، أسميها "شبه" الحالة الديمقراطية لأنه لم تكن لدينا يوماً ما -حتى في أيامنا الحلوة من منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي تقريباً- ديمقراطية صحيحة، فلا تداول للسلطة، ولا أحزاب سياسية، ولا مشاركة سياسية للمرأة بالبداية، كان كل ما لدينا أن شيوخ الأسرة الحاكمة يقررون، بحكم العادة بعد مشاورات مع النافذين السياسيين الذين كانوا يجلسون على المقاعد النيابية، وتصدر القوانين بعد ذلك، وكان يستحيل أن تشرع تلك القوانين ما لم تكن قد أسبغت عليها المباركة المشيخية، فالشيوخ كانوا دائماً لهم حق "الفيتو"، ولم تكن الضوابط الدستورية في مسائل حقوق الإنسان، التي نص عليها في الباب الثالث من الدستور، ذات أهمية عند تشريع القوانين أو في تنفيذها، ولم يكن مبدأ الفصل بين السلطات حقيقياً ينبض بالحياة على صعيد الواقع، كانت هناك نصوص دستورية عامة هي ديكور شكلي لاستكمال شكل الدولة دون معنى جوهري.
الآن، وبعد المجلس الأول الذي حل قبل عامين، انتهت تماماً حالة "الشبه" ديمقراطية، هناك لابد من التوقف لملاحظة أن ذلك المجلس مارس استبداداً "شعبوياً" حين انتشى بظاهر حالة الأغلبية في تشكيله، ولم يراع حقوق الأقلية، وحاول صبغ الدولة باللون المذهبي الديني، لكن يبقى في النهاية، أن نقول إن ذلك المجلس كان ممثلاً للمجتمع الكويتي بكل علاته وبكل التشوهات التي طرأت عليه (تشوهات وعاهات بفعل فاعل)، وانه، رغم ذلك، كان "يفرمل" كثيراً لممارسات السلطة، وقام عدد من النواب بفضح قضايا فساد ورشا كبيرة كانت تنخر في جسد الدولة، ولم يكن لنا أن نتصور مثلاً أن قضايا سحب وإسقاط الجنسية يمكن أن تحدث بتلك الصورة المرعبة (أشدد على تلك الصورة) في ذلك الزمن، كما يجري أمام أعيننا الآن، إلا أنه، من الناحية الأخرى، لم تتوقف يوماً ما أوبئة الواسطة والمحسوبيات في التعيينات أو توزيع حصص "الهبش" في مؤسسات الدولة وتوابعها، فدولة الموظف العام الريعية المستبدة وأمراضها كانت على حالها تسير بتكاسل ولا مبالاة لمصالح وحقوق الناس، ولم يحد من تصاعد جرائم استغلال النفوذ، لكن في كل الأحوال، وبكل أسى يمكن القول إن ذلك المجلس كان يمثل "العوض ولا القطيعة".
الآن أهيل التراب على قبر "الشبه ديمقراطية الكويتية"، فلا رقيب، ولو محدود الإمكانية، لممارسات سلطة الحكم، ولا يشفع لمجلسها النيابي اليوم أن يتذرع بإنجازه العديد من القوانين، أهمها قانون دعوى عدم الدستورية المباشرة، الذي أول من طرحه النائب السابق عبدالعزيز المطوع في مجلس 96 -ولا أحد يذكره له اليوم- فالعبرة في النهاية ليست بكثرة التشريعات، وبشكلها الحضاري، وإنما بالممارسة على أرض الواقع الحي.
وأخذت سلطة الحكم تمارس سلطانها من غير حدود، فنصبت منصات مشانق سحب وإسقاط جناسي مواطنين، وتحججت بأنها تحيي قانوناً نسيته في أدراج قديمة، هي بالطبع أدراج الاستبداد السلطوية، وتعد العدة للرقابة الكاملة على الإنترنت، كما أنها تستكمل هيمنتها الكاملة على "شبه" مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات النفع العام، التي كانت تحت سلطانها منذ البداية، إلا أنها اليوم، وتحت حجة وثيقة العمل بين وزارة الشؤون وجمعيات النفع العام، (مانشيت جريدة الجريدة عدد الأربعاء) تستكمل السلطة مشوار الابتلاع الكامل لتلك المؤسسات، فماذا بقي من "شبه الحالة الديمقراطية" التي كانت تتباهى بها الكويت أمام شقيقاتها الخليجيات، هي اليوم حالها من حالهن، ولا أحد أفضل من أحد والسلام.

احمد الصراف

سايكس والعقير

“>لم يبق أحد تقريبا من المحللين السياسيين لم يكتب عن نوايا «القوى الكبرى» في تقسيم الدول العربية، وكأن ليس هناك دول أخرى في العالم يتطلب الأمر الاهتمام بتقسيمها غيرنا. والكلام اليوم عن تقسيم العراق، مثلما كان يدور أثناء حرب العراق وإيران، وخلال حرب أميركا في العراق، وهو نفس الذي قيل في «عز» الحرب الأهلية السورية، وعن حتمية تفتيتها لدويلات، ولا أدري لماذا يعتقد البعض أن الغرب يسعى الى تقسيم الدول العربية، فهل نحن حقا بكل هذه المنعة والقوة والاستقلال والسيادة، وعدم الانصياع لطلبات واوامر الغرب، بحيث يتطلب الأمر سعيها الحثيث الى تقسيمنا، ليسهل حكمنا واستغلال ثرواتنا؟
والحقيقة اننا لم نتعب يوما من وصف الاستعمار بشتى النعوت السيئة، وإدانة أفعاله التي ادت الى خلق الكيانات العربية الحالية، او الحدود الدولية المعترف بها، وبالتالي نالت اتفاقية «سايكس بيكو» ومعاهدة «العقير» حظهما من الشتم واللعن، لدورهما في عملية تقسيم الدول العربية، متناسين أن كيانات تلك الدول كانت أصلا متنافرة، ولم تكن يوما موحدة أو معروفة الحدود، فهيمنة السلطة العثمانية عليها مسح عنها هويتها، والجزيرة العربية لم تكن استثناء من ذلك، فقد كانت بمجملها عبارة عن قطاعات مقسمة بين القبائل التي أتاحت لها قوتها، أو ظروف تاريخية معينة، حكم هذه المنطقة أو تلك. ولولا قلم المستر سايكس، وحبر المسيو بيكو، ومسطرة السير بيرسي كوكس، لبقيت الحروب بين حكام هذه الكيانات مشتعلة حتى اليوم.
ومن المعروف أيضا أن معاهدة العقير، التي تم توقيعها في ديسمبر 1922، بين الملك عبدالعزيز بن سعود (سلطان نجد حينها) والوزير صبيح بك، ممثلا عن ملك العراق، وبين السيد جون مور، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، ممثلا حاكمها، وتحت إشراف السير بيرسي كوكس، تخللتها مشاحنات وتلاسن وحدة خاصة بين العراق والسعودية، في ما يتعلق بما تشمله حدود كل طرف من أراض جديدة، أو ما يستقطع منها. ودفع طول الخلاف وشدة الجذب السير كوكس الى أن يأخذ قلماً، ويقوم بشكل عشوائي تقريبا بوضع، أو فرض، حدود دول أطراف الاتفاقية، من دون التفات الى احتجاجاتهم، وحتى دموع البعض منهم! ولولا خطوته تلك لكانت ربما، ليس فقط الخلافات، بل الحروب القبلية بينها باقية حتى اليوم.
ومعروف أن اتفاقية سايكس بيكو قد تم توقيعها عام 1916، وكانت تفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام دول الهلال الخصيب، وما حولها، التي كانت تحت سيطرة العثمانيين قبل انهيار دولتهم، وهكذا حصل الفرنسيون على حق حكم سوريا ولبنان، وحولوهما الى جمهوريتين لأن فرنسا جمهورية، وحصل البريطانيون على العراق والخليج، وجعلوها ممالك، ووضعوا فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ومنحوا تركيا، الجمهورية الوليدة، أجزاء من سوريا، وبالتالي كانت الاتفاقية تتعلق باقتسام وحدات مشتتة أصلا، وليس تفتيت وحدة كبيرة واقتسامها، والفرق بين الحالتين كبير.
من كل ذلك نرى أن كل ما نال اتفاقيات سايكس بيكو وغيرها من شتم وانتقاد لم يكن منصفا، فقد كان لها دورها في تهيئة «كيانات» المنطقة للاستقلال، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي كانت تستعمرهم، وبغير ذلك كانت ستشتعل بين «لوردات وشيوخ وزعامات» تلك الكيانات، حروب لا نهاية لها.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

علي محمود خاجه

المطار

في كل زيارة لمطار الكويت الدولي تعتريني حالة من الاستياء والحسرة على هذا المرفق الكريه، خصوصا عندما أتذكر نفس المطار أيام الطفولة قبل أن يتم العبث به وتشويهه بالطريقة التي يظهر فيها حاليا.
فأنا ما زلت أجهل كيف تمخض الفكر العبقري قبل سنوات بتوسعة المطار بأن يكون أساس التوسعة مجمعا تجاريا فوضويا يحتل الجزء الأكبر من المطار، ولا يسبب سوى ازدحام أكبر في هذا المرفق الهام، ولا استفادة فعلية للمسافرين والقادمين من هذا المجمع أصلا عدا مواقع شركات الاتصالات وشركات صرف الأموال، وهو ما يمكن توفيره أصلا بعد نقطة الجوازات للمغادرين والقادمين، على أن تقتصر المساحة قبل نقطة الجوازات على بعض المرافق البسيطة كمكاتب تأجير السيارات، تجنباً لأي ازدحام غير مبرر، وهو الأمر الذي يحصل حاليا. المطار في كل دول العالم هو الواجهة والانطباع الأول عن الدولة لدى كل من يزورها، بل هو مؤشر أساسي في التقييم بالنسبة إلى الزائرين لأي سبب من الأسباب، شخصيا أنا أشعر بالإحراج الشديد عندما أشاهد زائراً يدخل إلى المطار خصوصاً في أوقات الذروة، فالزائر حتما لن يبدي انبهاره باللون الوردي للافتات المطار التي قررت إدارة الطيران المدني أن يكون هو اللون الرسمي لمجرد إعجاب مدير بهذا اللون، بل إن أكثر ما سيحرص عليه أي زائر أو مسافر هو النظام وسهولة الإجراءات ويسرها سواء في حال القدوم أو المغادرة، والنظام هو أكثر شيء مفقود في مطارنا التعيس، فالقادم والمسافر يختلطان في كل مكان والتدخين الممنوع مسموح في شتى أرجاء المطار، ونقاط الجوازات للقادمين سرعان ما تختنق من الزحام، ومواقف السيارات المقسمة إلى مدى طويل ومدى قصير لا تسع السيارات، لأن المطار وببساطة تحول إلى مجمع تجاري يرتاده غير المسافر أكثر من المسافر نفسه، وإدارة المرور لا تستطيع التحكم في حركة السيارات أمام البوابة الرئيسية للتنزيل والتحميل، كل ذلك وأكثر هو ما يحدث في مطار الكويت.
أنا على قناعة تامة بأن العنصر الأساسي المفقود في مطار الكويت ليس سعة المبنى، ولن يحقق أي مبنى جديد الغرض، فما هو مفقود بشكل أساسي هو النظام، وهو المفقود أيضاً بالدولة ككل بالمناسبة، فهناك العديد من المطارات الأصغر حجما والأكثر رواداً إلا أن حسن سير النظام فيها هو ما يجعلها تستوعب الأعداد القادمة والمغادرة.
إن المسألة لا تحتاج إلى لوحات وردية أو مقهى ومطعم ومحلات للملابس داخل المطار كي يتحسن وضع واجهة المطار، بل كل ما يحتاجه هو نظام صارم يطبق وتنتهي المسألة، إلا أن الإدارة في معظم قطاعات الكويت تفتقد هذا الأمر.

خارج نطاق التغطية:
سحبت الجنسية الكويتية من البعض يوم أمس الأول بحجة عدم استيفاء تلك الجنسيات لشرط الوجود بالكويت قبل سنة 1965، وبعض من سحبت جنسيتهم الكويتية تم تجنيسهم في 2007 رغم عدم استيفائهم للشروط، فإن قبلنا جدلا أن تسحب تلك الجنسيات فلا بد من محاسبة من منحهم تلك الجنسيات رغم تجاوزهم للشروط.

سامي النصف

بحق.. هل هناك من يحارب «داعش»؟!

من الناحية النظرية يفترض ان هناك عدة جيوش عربية تقف في مواجهة داعش التي يمتلئ اليوتيوب باستعراضات قوة تقوم بها عبر طوابير طويلة من المركبات العسكرية والأفراد والاعلام الخاصة بها دون ان يتعرض لها أحد، علما بأن طائرة واحدة لا أكثر كفيلة بالقضاء التام على تلك الأرتال كونها تمثل ما يسمى بالمصطلح العسكري.. «البط الجالس»!

*** 

وتظهر الأخبار تحركات وانتصارات داعش واستيلاءها على المدن وحقول النفط في شمال العراق وشرق سورية فيما هو أقرب لنزهة أطفال يتراكضون في حقل مفتوح، فلا معارك ولا هجمات بالطائرات والدبابات، ولا حراسة للمنشآت، ولا إنزال خلف خطوط الأعداء ولا حتى محاولة لإنقاذ الأقليات والأماكن الأثرية، علما بأن حكومتي دمشق وبغداد مدججتان بالأسلحة المتقدمة التي دفعت لأجلها المليارات، يصاحب ذلك صمت مريب من المجتمع الدولي وكأنه سعيد بما يحدث وبالتشويه المتعمد للإسلام الذي تتسبب فيه «داعش».

***

ومن الأمور المستغربة تسليم الأسلحة المتطورة لداعش رغم إمكانية تفجيرها بسهولة أو حتى استخدامها في الانسحاب، ومازالت الأسئلة تطرح عن سبب تلثم الداعشيين، وهو أمر لم نر مثله في حركات التحرر الأخرى كحال الأفارقة والجزائريين والفيتناميين، وكذلك عن سبب تصويرهم الفظائع والمذابح التي يقومون بها ونشرها بدلا من التستر عليها، وهو ما سيدفع الخصوم للقيام بمذابح مضادة تجاه من تدعي «داعش» انها تقوم بحمايتهم، ونعني المسلمين السُّنة!

***

آخر محطة: بعكس ما تدعي «داعش»، وبعيدا عن التهديدات الزائفة لها، فكل تحركات داعش وجرائمها وقتلها وتدميرها محصورة في مناطق السنة المغلوبين على أمرهم، وسيختفي ملثمو داعش ذات يوم كما أتوا، وسيتركون للسنة أحقادا وثارات قائمة ومباني مدمرة!

احمد الصراف

لا يحدث إلا في الكويت

قصة كالخيال ولا يمكن أن تحدث إلا في الدول المتخلفة، كالكويت. فقد جاءها رجل من خارجها، كمئات الآلاف غيره، وتزوج كويتية ورزق منها بطفل. عرف الطفل الحياة مبكرا أن استغلال الدين هو الطريق الأقصر للنجاح، فسلكه، بعد أن اطال لحيته وتخلص من عقاله وارتدى شماغا أحمر وقصر جلبابه (دشداشته)، وحفظ بضع سور وأحاديث لزوم الشغل! وخلال فترة قصيرة نجح في الحصول على جنسية الدولة، التي عجز مئات آلاف المهندسين والأطباء والخبراء في الحصول عليها، وحدث ذلك على الرغم من تواضع علمه، وصدور حكم عليه بقتل مريض نتيجة الضرب المبرح، لإخراج الجن منه. وما ان اشتهر كداعية وإمام مسجد حتى فتحت أبواب وسائل الإعلام أمامه، فأصبح بين يوم وليلة ملء السمع والبصر من خلال زواياه الصحافية وبرامجه التلفزيونية، وأخذت الدول تستضيفه، وكأنه نجم نزل من السماء وانهالت عليه التبرعات والمساعدات والمخصصات، واصبح يستقبل كرؤساء الدول في زياراته الخارجية، واليوتيوب شاهد على كل ذلك. نعم، فقط في دول التخلف يستطيع المتخصص في إخراج الجن من الأجساد الوصول الى هذه المرتبة العالية.. سريعا. وفجأة قررت جهة ما اسدال الستار على هذه الأسطورة، الفارغة من الداخل والخارج، ليس لما اقترفت يداه، ولا بسبب سجله الإجرامي أو سيرته غير العطرة، بل لتطاوله على من أنعموا عليه بإساءته لهم ولسمعة وطن طالما احتضنه وآواه ومنحه جنسيته! ولكن الحق ليس عليه ولا يلام على طيشه، بل الحق على من «رزه» وكبّره ورعاه، وبالتالي يجب ألا ينتهي ملفه قبل أن نعرف من الذي سعى وتوسط له، ومن الذي رعاه ومنحه شرف المواطنة، على الرغم من سجله الإجرامي، وهو الذي لم يكن يمتلك يوما فلسا أحمر! الغريب في الأمر أن عددا كبيرا من «النشطاء» السياسيين وعددا اقل بكثير من جماعته «السابقين» اشادوا بخدماته و«جليل أعماله»، وفضل غالبية الدعاة الصمت لكي لا تصل شفرة الحلاقة نفسها الى ذقونهم! وهنا أتمنى أن يدلني أحد على خدمات «البلبل» الجليلة التي قدمها لوطنه غير الخراب وإفساد عقول الشباب ودفعهم الى المشاركة في حروب المنطقة العبثية، لكي ينتهي بهم قتلى أو مشردين على الحدود أو سجناء معتقلات لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية، ليختار هو بعد ذلك الجلوس بين أبنائه لينعم وإياهم بما كسبت يداه من مال ملطخ بدماء الأبرياء الذين غرر بهم! • ملاحظة: قصة هذا الرجل بينت صحة كل ما كنا، ولا نزال، ننادي به من خطورة السماح باستخدام الدين كوسيلة تحقيق نجاح وثراء، وخطورة إعطاء من يستخدمونه هالة أو أهمية اكثر مما يستحقون! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com