لو تم سؤال أي مفكر أو مواطن عربي من المحيط إلى الخليج عن سبب تقسيم الأوطان العربية وعدم توحدها كحال الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي لكانت الإجابة هي بإلقاء اللوم على معاهدة «سايكس بيكو» السرية التي عقدت عام 1916، والحقيقة هي كالعادة غير ذلك إلا اننا نبحث دائما عن شماعة لإخفاقاتنا المتكررة في تحقيق أحلامنا بالوحدة العربية، فلا نجد إلا تلك المعاهدة التي تحتاج الى زيارة جديدة لها.
***
ولو رجعنا للحقائق لا الأوهام والكلام المطلق لعرفنا ان تلك الاتفاقية اختصت بأقل من 10% من مساحة وسكان الوطن العربي، وانها وحدت ولم تقسم تلك المساحة، فدول الشمال الأفريقي كانت محتلة من قبل فرنسا وإيطاليا قبل تلك الاتفاقية، والحال كذلك مع مصر والسودان اللتين احتلتا بسبب هوجة عرابي 1882، ولم تكن الجزيرة العربية التي كان الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، يقوم بتوحيدها ضمن تلك المعاهدة، والحال كذلك مع اليمن ودول الخليج العربي، لذا اقتصر تأثير تلك الاتفاقية على دولة الشام والعراق التي تعمل القوى المتطرفة هذه الأيام على تقسيمها وتشطير ما وحدته تلك الاتفاقية!
***
لقد قامت تلك الاتفاقية «بتوحيد» ألوية وقضاءات بلاد العراق والشام، ولو تركوا لحالهم لانقسموا الى عشرات الدول والدويلات، وإذا كان لواء الإسكندرونة (4600كم2) قد اقتطع من سورية عام 1938، أي بعد تلك الاتفاقية، فقد قام الإنجليز بضم لواء الموصل (91000كم2) للعراق الموحد رغم ان اللواء تم احتلاله من قبل الانجليز بعد اتفاقية الهدنة مع تركيا لا قبلها، ولولا احتلال الإنجليز لما حصل العراق على الموصل ولبقي تركياً. أما فلسطين (27 ألف كم2) فلم ينشئها وعد بلفور، بل تكفل بخلقها أخطاء العرب وجهد اليهود وفظائع حبيب بعض العرب «هتلر»، ولو كانت وعود وزراء الخارجية الإنجليز تعني شيئا بذاتها لتمت وحدة بلدان العرب بعد وعد وزير الخارجية البريطاني انتوني ايدن عام 1942 للعرب بتشجيع وحدة أوطانهم، والذي حرص على ان تكون كلماته وعباراته مطابقة لوعد بلفور الذي كان بإمكانه ان يسقط سهوا من التاريخ ولا يتذكره أحد كوعد إيدن!
***
أخيرا.. ما يظهر ظلمنا لـ «سايكس ـ بيكو» في ادعاء انهم من قسمنا ومنع وحدة دولنا حقيقة ان دولنا حصلت على استقلالها منذ نصف قرن وأكثر، فلماذا لم تتحد؟! وهل كان الاثنان مسؤولين عن تسليم ملف السودان لضابط نصف مجنون منتصف الخمسينيات مما تسبب في انفصالها عن مصر وانقسامها اللاحق؟! وهل الاثنان مسؤولان عن تسليم ملف الوحدة المصرية ـ السورية أوائل الستينيات لشاويش برتبة مشير، ما نتج عنه فصم عراها؟! وهل كان الاثنان مسؤولين عن تسليم غزة وهي الجزء الفلسطيني المتحد مع مصر لإسرائيل مرتين (56 و67) دون حرب، ما جعلها تنفصل عنها لاحقا بشكل دائم؟! لنترحم على اتفاقية «سايكس ـ بيكو» فهي خير ألف مرة من البلقنة القادمة لا محالة لدول المنطقة بسبب الثوريات الماضية والحاضرة التي ترفع شعار وحدة الأوطان وهي تعمل جاهدة على.. تقسيمها!