«حين تسقط طائرة ويتسبب ذلك في سقوط ضحايا أبرياء ويطربك ذلك… ابحث عن إنسانيتك المفقودة».
العبارة أعلاه، واحدة من عشرات، بل ربما مئات التغريدات على حساب «تويتر»، وردت تحت وسم (هاش تاق): «تحطم_طائرة_ركاب_إيرانية» انتشر بين المغردين بعد الحادث المؤسف بسقوط طائرة ركاب إيرانية قرب مطار مهرآباد بالعاصمة طهران يوم الأحد الماضي (10 أغسطس/ آب 2014)، وذلك خلال رحلة داخلية. وقد أجمعت التقارير الصحافية على مقتل جميع الركاب، ولكنها تفاوتت في تقدير عددهم؛ إذ قدر البعض العدد بـ20 راكباً، في حين رفعته تقارير أخرى إلى 50، فيما قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا) أن عدد القتلى 48 شخصاً على الأقل.
بالفعل، تحت ذلك الوسم، تستطيع أن تقرأ مستوى التخلف والرجعية والطائفية والأمراض النفسية والانحطاط، وأقبح قذارة وصل إليها البعض من الشامتين والمحتفلين والمهنئين والمباركين! كان ذلك واضحاً دون شك، وللأسف، غالبية أولئك المسوخ من جراثيم الطائفية هم من دول الخليج بتفاوت قطعاً. نفخ شيطاني قبيح جداً جمع أولئك الذين يسري في عروقهم إبليس الرجيم كما تسري الطائفية والأحقاد، حتى تجاوز بعض المرضى حدود الفرح والسرور للهجوم على المعتقدات والمذاهب.
تلك الصورة السيئة حقاً، بل هي الأسوأ من بين عشرات المشاهد والصور في المجتمعات الخليجية والإسلامية ذات الضمائر الميتة، والممارسات التي لا علاقة لها بسماحة الدين الإسلامي العظيم، ولا بالإنسانية أصلاً.
وبغض النظر عن أعمار ومستويات أولئك المغردين، إلا أن المجتمع الخليجي، مع كل ذلك الوحل السيء من جراثيم الطائفية، أظهر صوتاً أقوى هذه المرة، حين علا صوت المواطن «المسلم» الحقيقي، أو لنقل «العربي» الحقيقي، برفض ذلك الانحطاط الحيواني الشيطاني المقيت الذي اجتمع حوله الطائفيون (مثال: بعض الطائفيين استخدموا تغريدة واحدة مشتركة تقول: «بمثل هذا الخبر ما تدري أن تفرح وتدعي عليهم أو تحزن وتدعي لهم. لكن نقول إن كان بينهم (من طائفتي) فارحمه واغفر له»! هل لمثل هذه المفردات ارتباط بأخلاق الدين الإسلامي؟
على أية حال، فإن هذا هو الوجه المشرق الجميل، فالتغريدات التي كتبها ذوو القلوب المطمئنة والمتسامحة والرافضة للطائفية، كنست تغريدات ووسخ وقذارة الطائفيين، وإن استمروا في عفنهم، وكان العنوان الأكبر لهؤلاء الطيبين: «أوسخ إنسان هو من يشمت في ميت أياً كان مذهبه وجنسيته»، ومع أنهم ترّحموا على الضحايا، إلا أنهم كتبوا الكثير مما يكشف وجود فئة كريمة نقية من أبناء الخليج والعالم العربي والإسلامي، قبال جراثيم الطائفية التي تقتات ليل نهار على صديد أسيادهم ومشايخهم وكبرائهم ممن غذّوهم بكل هذه السموم ليفتكوا بالمجتمع.
الشيء المفرح حقاً لمن تابع الوسم، أن العديد من دواب الطائفية حذفوا تغريداتهم بعد أن تحرّك ضمير بعضهم ليستغفر الله، ثم يستغفر الله، ثم يستغفر.. لكن حتماً، سيعود بعضهم إلى سيرته الأولى. فمن عاش في زريبة الطائفية منذ ولادته، لا يخرج منها إلا إلى المقصب أو النفوق.
ثمة مواقف جميلة سطرتها تغريدات بعض المغردين المعروفين المناهضين للطائفية وأهلها يمكن ربطها بالأوسمة التغريدية التي تكشف وجه الطائفيين الممسوخ، فعلى سبيل المثال، كتب الصحافي البرلماني الكويتي مبارك البغيلي: «رئيس المخابرات الأميركية في 2006: سنضع لهم إسلاماً يناسبنا، ونجعلهم يقومون بالثورات فتنتشر الطائفية بينهم»، وساند التغريدة بقصاصةٍ من صحيفة عربية فيها تصريح رئيس وكالة المخابرات الأميركية السابق جيمس وولسي يقول فيه: «سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، فيتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية، ومن بعدها، قادمون للزحف وسوف ننتصر».
ولعل الناشط نصير العمري كان شديداً: «العرب مضحكة.. تنتفخ أوداجهم نصرةً للدين والطائفة، والغرب يعبث بنفطهم وأوطانهم وكرامتهم. أغنامٌ تحرّكها الطائفية ويسوقها الحكام إلى مذبح صهيون». وكتب سعود مطلق السبيعي أيضاً: «المندسون والمحرّضون صبيان السفارات في الداخل والخارج يستغلون أي حدث محلي لتأليب الرأي العام بشعارات براقة لضرب وحدة المجتمع فاحذروهم».
المغرد نبيل المعجل طرح تساؤلاً: «س: ما سبب خلو منطقة الإحساء من القاعديين والداعشيين وقاطعي رؤوس البشر؟ ج: تعايش وتناغم وتسامح بين كل المذاهب والطوائف والملل». ووجّه في آخر الكلام سؤالاً لكل طائفي: «ما جوابك؟». أما عبدالله محمد البارقي فقد كان يسير في مسار المتفائلين: «ستشرق شمس التآلف والمحبة بين أهل القبلة حين تعي الأجيال الحاضرة معنى سماحة الإسلام، وتأفل شمس الطائفية البغيضة بينهم».
مهما كثرت النكرات في وسائل الإعلام الجديد، ومهما حشد الطائفيون قطعانهم، سيبقى الأصل في أهل الخليج أنهم يعرفون قيمة الإنسان دون النظر إلى دينه أو عرقه، فلن تتمكن حشرات الطائفية من تشويه ذلك الوجه المليء بالسماحة.