أصبح من المألوف في منعطفات القضية الفلسطينية الأساسية أن يتحول جزء من فلسطين إلى رافعة بالنسبة إلى بقية الأجزاء. الجديد في المعادلة في هذا الصيف الساخن أن غزة أخذت بقية الفلسطينيين والمتضامنين معها من العرب والمسلمين والعالم الأوسع نحو قيم كفاحية جديدة. صراع غزة لتفتيت الحصار المفروض عليها وطريقة خوضها للمعركة الحربية في عام ٢٠١٤ حوّلها بامتياز إلى الحاضن المرحلي الأهم لحركة المقاومة الفلسطينية. غزة المدينة والقطاع وذلك الممر الساحلي الضيق خاضت حرباً متكاملة الأركان وفرضت نفسها بالتالي جزءاً قيادياً في الحركة الوطنية الفلسطينية المقاومة للاحتلال. في هذه الحرب بينت مقاومة حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» عن مقدرة عالية على التخطيط والانضباط، بل تحول بعض رموز المقاومة إلى رموز تاريخيين كما هو الحال مع قائد كتائب عزالدين القسام محمد ضيف ونائبه أبو عبيدة. لقد اكتسبت المقاومة الفلسطينية في معركة غزة زخماً لم نعهد مثله منذ زمن طويل، فهناك تواصل مع تجارب المقاومة التاريخية، وتطور لثقة جديدة بإمكانياتها. لقد غيرت الحرب أشياء كثيرة، يكفي أنها أنعشت ذاكرة أمة وحفزت روح صمود. متابعة قراءة من غزة: المعبر الجديد لحركة التحرر الفلسطيني
اليوم: 14 أغسطس، 2014
سافل إكلينيكياً
حتى الحشرة، وهي حشرة، لا يمكن أن تشمت أو تتشفى في أحد. لن تجدها تشمت في حشرة أو في طائر أو سمكة أو إنسان. ليش؟ لأن لديها حدوداً دنيا من “الحشرية” والقيم التي تمنعها من التشفي بالآخرين في عز مصابهم.
وبالأمس، رأينا من يتشفى بمن سُحبت جنسيته، ويعلن فرحته، تقرباً لأصحاب القرار، ظناً منه أنهم سيحترمونه، أو يقرّبونه، أو حتى يمنحونه الجنسية، إن كان من “البدون”. متابعة قراءة سافل إكلينيكياً
حالنا من حالهم
تسير سلطة الحكم حثيثاً لابتلاع ما تبقى من أشلاء شبه الحالة الديمقراطية الكويتية، أسميها "شبه" الحالة الديمقراطية لأنه لم تكن لدينا يوماً ما -حتى في أيامنا الحلوة من منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي تقريباً- ديمقراطية صحيحة، فلا تداول للسلطة، ولا أحزاب سياسية، ولا مشاركة سياسية للمرأة بالبداية، كان كل ما لدينا أن شيوخ الأسرة الحاكمة يقررون، بحكم العادة بعد مشاورات مع النافذين السياسيين الذين كانوا يجلسون على المقاعد النيابية، وتصدر القوانين بعد ذلك، وكان يستحيل أن تشرع تلك القوانين ما لم تكن قد أسبغت عليها المباركة المشيخية، فالشيوخ كانوا دائماً لهم حق "الفيتو"، ولم تكن الضوابط الدستورية في مسائل حقوق الإنسان، التي نص عليها في الباب الثالث من الدستور، ذات أهمية عند تشريع القوانين أو في تنفيذها، ولم يكن مبدأ الفصل بين السلطات حقيقياً ينبض بالحياة على صعيد الواقع، كانت هناك نصوص دستورية عامة هي ديكور شكلي لاستكمال شكل الدولة دون معنى جوهري.
الآن، وبعد المجلس الأول الذي حل قبل عامين، انتهت تماماً حالة "الشبه" ديمقراطية، هناك لابد من التوقف لملاحظة أن ذلك المجلس مارس استبداداً "شعبوياً" حين انتشى بظاهر حالة الأغلبية في تشكيله، ولم يراع حقوق الأقلية، وحاول صبغ الدولة باللون المذهبي الديني، لكن يبقى في النهاية، أن نقول إن ذلك المجلس كان ممثلاً للمجتمع الكويتي بكل علاته وبكل التشوهات التي طرأت عليه (تشوهات وعاهات بفعل فاعل)، وانه، رغم ذلك، كان "يفرمل" كثيراً لممارسات السلطة، وقام عدد من النواب بفضح قضايا فساد ورشا كبيرة كانت تنخر في جسد الدولة، ولم يكن لنا أن نتصور مثلاً أن قضايا سحب وإسقاط الجنسية يمكن أن تحدث بتلك الصورة المرعبة (أشدد على تلك الصورة) في ذلك الزمن، كما يجري أمام أعيننا الآن، إلا أنه، من الناحية الأخرى، لم تتوقف يوماً ما أوبئة الواسطة والمحسوبيات في التعيينات أو توزيع حصص "الهبش" في مؤسسات الدولة وتوابعها، فدولة الموظف العام الريعية المستبدة وأمراضها كانت على حالها تسير بتكاسل ولا مبالاة لمصالح وحقوق الناس، ولم يحد من تصاعد جرائم استغلال النفوذ، لكن في كل الأحوال، وبكل أسى يمكن القول إن ذلك المجلس كان يمثل "العوض ولا القطيعة".
الآن أهيل التراب على قبر "الشبه ديمقراطية الكويتية"، فلا رقيب، ولو محدود الإمكانية، لممارسات سلطة الحكم، ولا يشفع لمجلسها النيابي اليوم أن يتذرع بإنجازه العديد من القوانين، أهمها قانون دعوى عدم الدستورية المباشرة، الذي أول من طرحه النائب السابق عبدالعزيز المطوع في مجلس 96 -ولا أحد يذكره له اليوم- فالعبرة في النهاية ليست بكثرة التشريعات، وبشكلها الحضاري، وإنما بالممارسة على أرض الواقع الحي.
وأخذت سلطة الحكم تمارس سلطانها من غير حدود، فنصبت منصات مشانق سحب وإسقاط جناسي مواطنين، وتحججت بأنها تحيي قانوناً نسيته في أدراج قديمة، هي بالطبع أدراج الاستبداد السلطوية، وتعد العدة للرقابة الكاملة على الإنترنت، كما أنها تستكمل هيمنتها الكاملة على "شبه" مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات النفع العام، التي كانت تحت سلطانها منذ البداية، إلا أنها اليوم، وتحت حجة وثيقة العمل بين وزارة الشؤون وجمعيات النفع العام، (مانشيت جريدة الجريدة عدد الأربعاء) تستكمل السلطة مشوار الابتلاع الكامل لتلك المؤسسات، فماذا بقي من "شبه الحالة الديمقراطية" التي كانت تتباهى بها الكويت أمام شقيقاتها الخليجيات، هي اليوم حالها من حالهن، ولا أحد أفضل من أحد والسلام.
سايكس والعقير
“>لم يبق أحد تقريبا من المحللين السياسيين لم يكتب عن نوايا «القوى الكبرى» في تقسيم الدول العربية، وكأن ليس هناك دول أخرى في العالم يتطلب الأمر الاهتمام بتقسيمها غيرنا. والكلام اليوم عن تقسيم العراق، مثلما كان يدور أثناء حرب العراق وإيران، وخلال حرب أميركا في العراق، وهو نفس الذي قيل في «عز» الحرب الأهلية السورية، وعن حتمية تفتيتها لدويلات، ولا أدري لماذا يعتقد البعض أن الغرب يسعى الى تقسيم الدول العربية، فهل نحن حقا بكل هذه المنعة والقوة والاستقلال والسيادة، وعدم الانصياع لطلبات واوامر الغرب، بحيث يتطلب الأمر سعيها الحثيث الى تقسيمنا، ليسهل حكمنا واستغلال ثرواتنا؟
والحقيقة اننا لم نتعب يوما من وصف الاستعمار بشتى النعوت السيئة، وإدانة أفعاله التي ادت الى خلق الكيانات العربية الحالية، او الحدود الدولية المعترف بها، وبالتالي نالت اتفاقية «سايكس بيكو» ومعاهدة «العقير» حظهما من الشتم واللعن، لدورهما في عملية تقسيم الدول العربية، متناسين أن كيانات تلك الدول كانت أصلا متنافرة، ولم تكن يوما موحدة أو معروفة الحدود، فهيمنة السلطة العثمانية عليها مسح عنها هويتها، والجزيرة العربية لم تكن استثناء من ذلك، فقد كانت بمجملها عبارة عن قطاعات مقسمة بين القبائل التي أتاحت لها قوتها، أو ظروف تاريخية معينة، حكم هذه المنطقة أو تلك. ولولا قلم المستر سايكس، وحبر المسيو بيكو، ومسطرة السير بيرسي كوكس، لبقيت الحروب بين حكام هذه الكيانات مشتعلة حتى اليوم.
ومن المعروف أيضا أن معاهدة العقير، التي تم توقيعها في ديسمبر 1922، بين الملك عبدالعزيز بن سعود (سلطان نجد حينها) والوزير صبيح بك، ممثلا عن ملك العراق، وبين السيد جون مور، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، ممثلا حاكمها، وتحت إشراف السير بيرسي كوكس، تخللتها مشاحنات وتلاسن وحدة خاصة بين العراق والسعودية، في ما يتعلق بما تشمله حدود كل طرف من أراض جديدة، أو ما يستقطع منها. ودفع طول الخلاف وشدة الجذب السير كوكس الى أن يأخذ قلماً، ويقوم بشكل عشوائي تقريبا بوضع، أو فرض، حدود دول أطراف الاتفاقية، من دون التفات الى احتجاجاتهم، وحتى دموع البعض منهم! ولولا خطوته تلك لكانت ربما، ليس فقط الخلافات، بل الحروب القبلية بينها باقية حتى اليوم.
ومعروف أن اتفاقية سايكس بيكو قد تم توقيعها عام 1916، وكانت تفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام دول الهلال الخصيب، وما حولها، التي كانت تحت سيطرة العثمانيين قبل انهيار دولتهم، وهكذا حصل الفرنسيون على حق حكم سوريا ولبنان، وحولوهما الى جمهوريتين لأن فرنسا جمهورية، وحصل البريطانيون على العراق والخليج، وجعلوها ممالك، ووضعوا فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ومنحوا تركيا، الجمهورية الوليدة، أجزاء من سوريا، وبالتالي كانت الاتفاقية تتعلق باقتسام وحدات مشتتة أصلا، وليس تفتيت وحدة كبيرة واقتسامها، والفرق بين الحالتين كبير.
من كل ذلك نرى أن كل ما نال اتفاقيات سايكس بيكو وغيرها من شتم وانتقاد لم يكن منصفا، فقد كان لها دورها في تهيئة «كيانات» المنطقة للاستقلال، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي كانت تستعمرهم، وبغير ذلك كانت ستشتعل بين «لوردات وشيوخ وزعامات» تلك الكيانات، حروب لا نهاية لها.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com